عندما نقرأ في تاريخ الإمام عليّ (عليه السلام) نجد أنّه فتح عينيه أوّل ما فتحهما على الحياة في الكعبة، فقد ولدته أُمّه في قلب الكعبة، وتوحي هذه الولادة التي تهيّأت ضمن ظروف أراد الله لها أن تعطي الفكرة والإيحاء في مستقبل هذا الوليد، أنّه الإنسان الذي احتضنه بيت الله، الذي أراد الله له أن يكون البيت الطاهر الذي يعطي الطُّهر للناس كلّهم عندما يتعبّدون فيه وعندما يطوفون حوله. ولم يكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا عليّ (عليه السلام) يتعبّد في فتوّته التي كبرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عقلاً من عقله، وروحاً من روحه، وابتهالاً من ابتهالاته، كان معه يلازمه، حتى إذا جاء الوحي ورأى الوحي ينزل، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبيّ، ولكنّك لوزير، وإنّك لعلى خير».
وعندما صدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة، حفظها الإمام عليّ (عليه السلام) في عقله، لأنّه كان واثقاً بأنّ عقله قد بلغ من النُّضج، بحيث يمكن له أن يفهم معنى الرسالة ويقتنع بها ويلتزمها، ورأيناه يقول: «ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما»، حتى عندما انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة، كان يذهب إلى المسجد الحرام، والإمام عليّ (عليه السلام) خلفه إلى يمينه، وخديجة ثالثتهما تقف خلف الإمام عليّ (عليه السلام)، ومرّ أبو طالب (رضي الله عنه)، وقال لولده جعفر: «صِل جناح ابن عمّك»، وهكذا انتقل من بيت الله طفلاً وليداً، إلى بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو بيت الله؛ بيت وحيه، لأنّه البيت الذي تنزل فيه الملائكة ويتحرّك فيه الوحي. وكان يجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الليل والنهار، تلميذاً وكان يقول (عليه السلام): «ما من آية نزلت في رجل من قريش، ولا في الأرض في برٍّ ولا بحرٍ ولا سهلٍ ولا جبلٍ، إلّا وأنا أعلم فيمن نزلت، وفي أيّ يوم، وفي أيّ ساعة نزلت»، وقال: «علّمني ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ألف بابٍ من العلم، فتح لي كلّ بابٍ ألف باب»، فلقد كان علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنده، ولم يكن مجرّد تلميذٍ يحفظ العلم، ولكنّه كان تلميذاً ينتج من العلم علماً.
وهكذا جاءت الكلمة النبويّة الشريفة: «أنا مدينةُ العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد للمسلمين أن يتعرّفوا عمق المعرفة عند الإمام عليّ (عليه السلام)، وسعة العلم لديه. فقد كان المسلمون يتطلّعون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره يحمل كلّ علم الإنسان، لأنّ الله أوحى إليه بالقرآن، وأوحى إليه بالإسلام، وألهمه علم ذلك كلّه، فكان المسلمون يتطلّعون إليه، ويحارون كيف يستطيعون أن يأخذوا العلم منه، ذلك لأنّ عليّاً (عليه السلام) عاش علم رسول الله كلّه، ومن ثَمّ كان الوحيد من بين الصحابة الذي لم يُسأل عن مسألة إلّا وأجاب عنها. وكان الوحيد الذي لم يحتج أن يسأل أحداً عن مسألة، بل كان المرجع الذي يرجع إليه الصحابة في كلّ أُمورهم.
وقد بلغ الإمام عليّ (عليه السلام) ما بلغ من العلم، لأنّه كان يستمد علمه مباشرةً من النبع الذي كان يعيش في أجوائه دائماً، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعطيه الكثير من وقته، على أساس أنّه كان يعطيه في كلّ ليلة علماً من علمه. من هنا، فإنّ علم الإمام عليّ (عليه السلام) مُستمدٌّ من الإسلام، وليس له فكر غير فكر الإسلام، حتى أفكاره في تجاربه كان يستمدّها من الخطّ الإسلامي العام.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق