• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بالإيمان تطيب الحياة

بالإيمان تطيب الحياة

◄الإيمان منهج حياة، ونور يشرق في النفس ومن ثماره: النصر والاستخلاف ونعيم الآخرة

يعيش الإنسان في هذه الدنيا.. يروح ويذهب.. يضحك يوماً، ويبكي أياماً.. إن فرح ساعة.. حزن ساعة.. هذه حال أكثر أهل الأرض.. أما المسلم الحقّ.. فهو يعلم علم اليقين أنّه غريب في هذه الدنيا.. غريب في بلده.. غريب بين أهله.. يحن إلى موطنه، ويشتاق إليه.. وينتظر وصوله إليه بفارغ الصبر.. يشد الرحال للسفر إلى بلده.. ولكن هذا السفر شاق وطويل.. مليء بالمكاره، والأخطار.. كيف لا وهو يريد أن يصل إلى جنة الخلد.

وبما أنّ السفر شاق، والطريق طويل.. كان لابدّ لهذا المسافر من زاد يعينه على الوصول، ويدله على الطريق، ويؤنسه في غربته، ويصبره على مصيبته، هذا الزاد هو الإيمان.

فبالإيمان تطيب الحياة، ويصبح الصعب سهلاً، والعسر يسراً، فهو حياة الروح، وبلسم الحياة، وواحة ندية تجد فيها الروح الظلال من هاجرة الظلال في تيه الحيرة، والقلق، والشرور.. هو نور يُشرق في القلب، ونور تشرق به النفس فترى الطريق.. ترى الطريق واضحة إلى الله.. ومتى رأيت الطريق سارت على هدى لا تتعثر، ولا تضطرب، ولا تتردد، ولا تحتار، إذ الإيمان ليس مجرد شهادة ينطق بها اللسان.. أو فكرة يحتويها الوجدان، الإيمان منهج حياة عميق الأثر في النفس، له آثاره على العقل، والضمير، والسلوك.

والإيمان في قلوب المؤمنين درجات.. فمن الناس من كمل إيمانه.. ومنهم متوسط الإيمان.. وفيهم ضعيف الإيمان.. ومتى كمُل الإيمان في قلب مؤمن، تحققت له ثمار الإيمان، وهل للإيمان ثمار؟

نعم له ثمرات مشاهدة عاجلة في الدنيا.. وآجلة في الآخرة.. أخبر الله عنها في كتابه الكريم.. والثمرات التي في الدنيا.. قد تخص فرداً واحداً، أو جماعة، أما التي تخص الفرد، فيقول سبحانه فيها: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97).

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة المختلفة، وفسرها ابن عباس وجماعة: بالرزق الحلال الطيب، أو السعادة، أو العمل بالطاعة، والانشراح بها، أو القناعة، والصحيح كما قال ابن كثير: إنّ الحياة الطيبة تشمل هذا كلّه.. والحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة.. فما أكرمه من جزاء.

ومن الثمار التي تختص بالجماعة: النصر.. يقول سبحانه: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الرّوم/ 47)، وسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين، وجعله لهم حقاً – فضلاً وكرماً – وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكاً، ولا ريباً، وكيف ووعده القاطع سبحانه واقع عن يقين يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين.

ومنها: استخلاف المؤمنين في الأرض، يقول تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) (النّور/ 55). ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده.

ومن ثمار الإيمان أيضاً: العزة.. يقول العزيز سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8)، وهذا تكريم هائل لا يكرمه إلا الله، وأي تكريم بعد أن يوقف الله سبحانه رسوله والمؤمنين معه إلى جواره.. فجعل العزة صِنْوَ الإيمان في القلب المؤمن... العزة المستمدة من عزته تعالى.. العزة التي لا تهون، ولا تُهَن، فإذا استقر الإيمان، ورسخ.. فالعزة معه مستقرة راسخة.

ومن الثمار أيضاً: الهداية.. يقول المولى سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) (يونس/ 9)، ومنها: دفاع الله عن الذين آمنوا، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج/ 38)، ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتماً من عدوه، ظاهر حتماً عليه.

ومن هذه الثمار: ولاية الله للذين آمنوا، يقول المولى سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) (محمّد 11).

وقد وعد الله عباده المؤمنين في الآخرة دخول الجنّة. وهذه أعظم الثمار وأجلها.

هذه هي بعض ثمار الإيمان، وغيرها كثير.. لكن هناك سؤالاً يطرح نفسه: إذا لم نرَ الآن في هذه الدنيا ثمار الإيمان تتحقق لنا، فهل نطمع في أن تتحقق لنا في الآخرة؟

فلينظر كلّ منا إلى إيمانه، فإذ وجد فيه نقصاً.. سارع بإتمامه، وإن كان من الذين مَنّ الله عليهم، وكَمُل إيمانه، فليحافظ عليه، حتى يلقى ربه. ►

 

المراجع:

-         التجارة الرابحة للشيخ: عبدالمجيد الزنداني.

-         في ظلال القرآن – سيد قطب.

-         تفسير المنير – وهبه الزحيلي.

-         رجال من معارك الإسلام – محمّد شديد.

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1398 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top