إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، في امتداداتها العاطفية والفكرية والعملية في مدى الزمن، وتأثيراتها الإيجابية في وعي الإنسان المسلم والتزاماته، وفي حركيتها الإسلامية في المضمون الإسلامي الحركي في علاقته بعناصر القوّة للإسلام وأهله. مطلوب أن يُقام بوعي كامل.. فمسألة العاطفة في الذكرى، سواء في المضمون الفكري للمأساة، على مستوى تحريك كلّ العناصر المثيرة للحزن في مفردات قضية عاشوراء بالطريقة التي تستنـزف الدموع بشكل مثير، أو في الأُسلوب الفنّي البكائي الذي يستغرق في اللحن الحزين الشجيّ، ويوزّع عناصر الإثارة في كلّ أنغامه وتقاطيعه، أو في الممارسات الحادّة المعبّرة عن صراخ الذات في تأثّرها بالمأساة وانفعالها بقضاياها المؤلمة. كلّه يصب في إحياء هذه الذكرى العظيمة.
إنّ مسألة العاطفة في درجة كبيرة من الأهمّية، بحيث يلاحظ أنّ الخصوصية الذاتية للذكرى لا يمكن إبعادها عن العنصر الحزين للمأساة في أيّ موقع من مواقع الإثارة، الأمر الذي يجعل من العمق العاطفي مسألة حيويةً في هذه القضية، فلا مجال للفصل بين إثارة الذكرى في وعي الناس، وبين الأُسلوب العاطفي، لأنّ ذلك يعني إبعاد الشيء عن ذاته.
كما وإنّ العاطفة تتيح للذكرى الاستمرار في خطِّ الحياة من خلال تأثيرها في الشعور الإنساني، ما يوصل علاقةً عاطفيةً للناس بأهل البيت (عليهم السلام)، تماماً كما هي العلاقة بين الإنسان وبين مَن يحبّ في انفعاله العفوي بالمآسي التي تصيبه في نفسه وأهله، الأمر الذي يحقّق النتائج الإيجابية الكبيرة في البُعد الإنساني الذاتي في انفتاحه على البُعد الحركي في المسألة الشعورية، ما يؤدِّي إلى نتائج مماثلة في البُعد الإسلامي الحركي.
وإحياء الذكرى الجليلة بالمضمون الفكري والعاطفي معاً، يجعل القضية أكثر عمقاً من القضايا التاريخية المتّصلة بالصراع بين الحقّ والباطل التي يتجاوزها الزمن، لأنّ قضايا الصراع الكثيرة في الواقع الإنساني في المراحل الحاضرة، قد تحمل الكثير من المشاكل الضاغطة على الفكر والشعور، وبالمستوى الذي لا يجد فيه الإنسان فراغاً للاستغراق في التاريخ، لأنّ ضغط الحاضر لا يسمح بالتفرغ لاستعادة الماضي، فيؤدِّي ذلك تدريجياً إلى نسيان القضية وإهمالها، إلّا في الحالات الطارئة التي قد تدفع ببعض قضايا التاريخ إلى الواقع، في عملية إثارة سريعة لا تلبث أن تذوب - بعد ذلك - في غمار الواقع الخطير الضاغط على الإنسان.
بينما يمثّل الأُسلوب العاطفي لوناً من ألوان التربية الشعورية، الذي يحوّل القضية إلى قضية متّصلة بالذات، تماماً كما لو كانت قضية من قضايا الحاضر، وهذا ما نلاحظه في المسيرة التقليدية لحركة الإنسان في ارتباطه بالمعاني الدينية.
قضية عاشوراء في الواقع الإسلامي، بالدرجة العليا التي لا ترقى إليها أيّة قضية أُخرى من قضايا التاريخ الإسلامي المأساوي، على الرغم من مفرداتها الحزينة وعلاقتها ببعض الشخصيات التاريخية التي يحترمها المسلمون ويقدّسونها. ولم يكن الفرق إلّا في أنّ عاشوراء تحمل، في أُسلوب الإثارة للذكرى، الأُسلوب العاطفي بالإضافة إلى الأُسلوب الفكري، بينما كان الجانب الفكري هو الذي يحرك القضايا الأُخرى.. ففي عاشوراء قيمةً روحية وفكرية تتجاوز كلَّ المفردات الأُخرى.
إنّ كلّ ذلك يدلّنا على أنّ تحريك المسألة العاطفية في الذكرى ليست مسألة عادية، بل هي من المسائل المهمّة في التخطيط الإسلامي، لإبقاء هذه القضية حيّةً في المنطقة الشعورية للإنسان المسلم على امتداد الزمن، بحيث تتحول إلى مسألة تتّصل بالضمير الإنساني في علاقة الحاضر بالتاريخ.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق