ضرورة النشاطات الفنية اللاصفية للطفل
مع بدء منتصف الفصل الأوّل المدرسي، ترسل معظم المدارس برنامج النشاطات اللاصفية إلى الأهل ليتعرّفوا إليها وما إذا كان لديهم رغبة في تسجيل أبنائهم. بعض الأهل يختار النشاطات الفنية فيما بعضهم الآخر يختار النشاطات الرياضية. وغالباً ما يقوم اختيار النشاطات الفنية تبعاً لرغبة الأهل، والسبب إما لأنّهم يريدون أن يتعلّم أطفالهم نشاطاً فنياً كانوا يرغبون فيه عندما كانوا صغاراً وإما لأنّهم يرون فيه نشاطاً لا يؤثر في أداء أبنائهم المدرسي، وبالتالي يجدون فيها متنفّساً للطفل فلا يأخذونها على محمل الجد وقد يتساهلون معه في الالتزام بها عندما يكون لديه امتحانات.
وفي المقابل، يؤكّد اختصاصيو علم نفس الطفل أنّ النشاطات اللاصفيّة بكل أنواعها سواء كانت فنية أو رياضية ضرورة تربوية تساهم في تطوير مهارات التلميذ الذكائية والفكرية. ويطرح السؤال كيف؟ وبمَ يفيد التلميذ نشاط المسرح والموسيقى والرسم والرقص؟
- بمَ تفيد النشاطات اللاصفيّة الفنية التلميذ؟
تعتبر النشاطات اللاصفيّة الفنية ضرورة تربوية ولا يجوز التهاون بها. فلكل نشاط منها فوائد على مستوى التطور الذهني والنفسي للتلميذ خصوصاً إذا كان ميّالا للقيام بها. وهي مكمّلة لإكتسابه المعرفة لاسيّما على المستوى الأكاديمي، لأنّها تساهم في تعزيز قدرته التعلّمية إلى حد كبير.
- على أي أساس يجب أن يكون اختيار نشاط فني بعينه؟
عندما ترسل المدرسة برنامج النشاطات الفنية اللاصفية إلى الأهل عليهم أن يكونوا على دراية كافية بميول طفلهم الفنّية، أي هل يحب المسرح أم الرسم أو الموسيقى أم الرقص؟ ومن ثمّ يستشيرون ابنهم خصوصاً أنّ هذه النشاطات تتطلب التزاماً. أما إذا لم يكن للتلميذ أي ميول فنية أو لا يستطيع أن يقرر، ففي إمكانهم الطلب من المدرسة السماح له بفترة تجريبية يتعرّف خلالها إلى مختلف انواع هذه الفنون، فإذا لم يبد تجاوباً أو رغبة في أي نشاط فني فإنّه يمكن أن يكون ميّالاً للنشاطات الرياضية.
- ما هي الفوائد التربوية لكل نشاط فني لا صفي؟
المسرح:
يساهم في تعزيز أداء التلميذ الأكاديمي، خصوصاً في الأمور الآتية:
· القدرة على الحوار: أثناء التمارين على المسرحية يتبع التلميذ إرشادات الأستاذ مخرج المسرحية، مما يتيح له أثناء ذلك المناقشة حول طريقة الحركة على المسرح أو الحركة المناسبة للمشهد أو العبارة التي يقولها، مما يعزز لديه القدرة على الحوار وإبداء الرأي والتعبير عما يفكّر فيه.
· الوقوف أمام جمهور: تمنحه هذه التجربة الثقة بالنفس وتكسر حاجز الخجل وتقوي لديه ملكة الخطابة.
· وسيلة لاكتساب اللغة بشكل صحيح فقراءة النص سواء كان باللغة الأجنبية أو العربية الفصحى، يتطلب حفظه لفظ مخارج الحروف بشكلها الصحيح وفهم قواعد اللغة والعبارات المجازية والمرادفات.
· يقوي ذاكرة التلميذ لأنّه يحفظ نصاً معيناً. وعندما نقول يقوي قدراته اللغوية نعني أنّ الطفل الذي لديه ضعف في اللغة يمكن من خلال الجمل القصيرة التي يحفظها أثناء تأديته دوراً نساعده على فهم اللغة أكثر ويعطيه الثقة بأن في إمكانه التحدث بها وفهمها أكثر.
· ينمّي التواصل مع الآخرين ويسمح للطفل بتجسيد أدوار قد لا يمكنه تحقيقها في الحياة الواقعية، فيكون منفذاً للتعبير عن مكنوناته. فمثلاً عندما يقوم الطفل الخجول بدور الملك أو أي أدوار أخرى فإننا نعطيه الفرصة للتعبير عن نفسه مما يجعله واثقاً بنفسه مما يؤثر إيجاباً في نظرته إلى نفسه.
الموسيقى:
هناك فئتان:
· الغناء: تساعد التمارين الصوتية أو الفوكاليز التلميذ على التنفس كما تساعد الطفل الذي لديه مشكلة في النطق، فضلاً عن أنّ التلميذ يحب هذا الأمر.
· العزف على آلة: يعزز قدرات الطفل الفكرية والذهنية وتطوّرها. فبمجرّد أن يتعلّم الطفل قراءة النوتات والتمييز بينها ومعرفة معانيها يصبح في إمكانه التنسيق بين وظيفة الدماغ والعين والصوت الذي تتطلّبه الدروس العادية، فالموسيقى تتطلب التنسيق بين الدماغ والعين وعزف النوتات (الأصابع، الفم، والرجلان، تبعاً لكل آلة)، كما أن تعلّم الموسيقى يطوّر الفكر الرياضي والتحليلي، خصوصاً في السنوات المبكرة من عمر الطفل (أربع إلى 12 سنة)، إضافة إلى أنّ الموسيقى تنمّي الفكر التجريدي، والقدرة على تحويل المعلومات الرياضية والنوتات المكتوبة إلى موسيقى لا مغزى لها ولا تفسير ملموساً، بل هي تعبير فني وأحاسيس. إضافة إلى أنّ العزف يفيد الطفل في المستقبل، لاسيّما في سن المراهقة حيث ستكون لديه وسيلة آمنة للتخلص من التوتر الذي يعيشه في هذه المرحلة، فتعليم العزف على آلة معيّنة استثمار للمراهقة.
الرسم:
للرسم أهمية كبرى في حياة التلميذ لأنّه طريقة يعبّر بواسطتها عن مشاعره خصوصاً إذا كان في سن صغيرة لا يستطيع فيها التعبير بالكلام بعد، فيكون الرسم طريقة تسمح للأهل باكتشاف نظرة ابنهم إلى الحياة وما إذا كان سعيداً أم حزيناً. لذا للرسم موقع مهم في حياة الطفل، ومن الضروري أن يرافقه خلال فترة نموّه حتى سن المراهقة. ومن المهم جدّاً أن يكون ضمن البرنامج المدرسي. ولكن للأسف تستغني بعض المدارس عن حصة الرسم في مرحلة معيّنة حين تصبح الدروس الأكاديمية والنجاح المدرسي من أولويات التلميذ والمدرسة والأهل معاً، بينما لا يجوز الاستغناء عن ساعة الرسم لأنها تسمح للتلامذة بالتعبير عن مشاعرهم وعن أمور لا يتكلّمون عليها في الحياة اليومية، كما أنّ الرسم يساهم في تعزيز خيال التلميذ.
الرقص:
جرت العادة أن يقبل الأهل تسجيل البنت في حصة الرقص، فيما يشجعون الولد على الموسيقى أو الرسم أو المسرح، في حين أنّ الرقص مهم جدّاً للطفل سواء كان بنتاً أم صبياً. إذ يجعله يدرك جسمه وكيف ينسق بين حركة عضلاته والموسيقى، وكذلك التنسيق مع بقية أقرانه إذا كانت الرقصة فلكلورية، ويساهم في العبير عن مكنوناته وكسر حاجز الخجل إذا كانت شخصيته خجولة.
إذاً النشاطات الفنية اللاصفية وسيلة ممتازة لاكتساب مهارة العمل ضمن فريق والتعاون مع الآخرين. فخلال التمارين المسرحية مثلاً يلتقي التلميذ أقرانه الذين يشاركون فيها، ويتبادل معهم الأدوار والحوارات ويفهم معنى التنسيق في الأدوار، مثلاً عندما يقرأ جملته عليه أن ينتظر جملة زميله. والأمر نفسه بالنسبة إلى الرقص والموسيقى إذا كانت المشاركة ضمن فريق.
- ما هي سلبيات النشاطات الفنية اللاصفّية؟
هي قليلة جدّاً ومع ذلك إذا لم يكن التلميذ يرغب في القيام بها، فهذا يؤثر سلباً في شخصيته. فإذا لم يكن مثلاً على استعداد لأداء دور في المسرحية فإنّه يشعر بالحرج والإنكفاء، وإذا لم يكن يحب العزف على آلة موسيقية فإن درس الموسيقى يتحوّل إلى قصاص بالنسبة إليه.
- هل هناك معايير على الأهل الأخذ بها قبل تسجيل أبنائهم في نشاط لا صفّي؟
· الالتزام بمواقيت الصف، وعدم التهاون بها بحجة أن لدى التلميذ امتحاناً، والتأكيد على التلميذ الالتزام لأنّه هو الذي اختار النشاط.
· لا يجوز إرغام التلميذ على نشاط، لذا ننبه الأهل بألا يفرضوا على أبنائهم نشاطاً كانوا هم في صغرهم يرغبون فيه، فغالباً ما يقوم الأهل بذلك.
· عدم تسجيل الطفل في نشاط لأن صديقه المقرب فيه. بل على الأهل التأكّد أن ابنهم فعلاً يرغب في هذا النشاط أو ذاك.
· أن يكون الأهل مستعدين لتحمّل الأعباء المادية والمعنوية للنشاط.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق