من عظمة الإسلام إنّه دين تناول الجانب الجسدي والروحي للإنسان فهو شامل لكلّ الإنسان جسداً وروحاً، قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). فكما أنّ الإسلام اعتنى بالجانب الجسدي أي المادي في الإنسان فإنّه اعتنى بالجانب الروحي عناية كبيرة ولربما أكثر من الجانب الجسدي لأنّ بناء الروح هو الهدف الأعظم للشريعة السماوية وهو العمل الأشق تربوياً فنلاحظ إنّ الطعام الحلال أو الشراب المباح يشخّص من قبل الشريعة ليكون الغذاء الطبيعي للإنسان فالتغذية المهذبة من قبل التشريع الإلهي لجسم الإنسان تنمي قدرات الجسد وطاقاته وتطرد عنه أمراضه كذلك. هذا من الجانب الجسدي كذلك نلاحظ العناية الفائقة من الإسلام للجانب الروحي والتغذية الروحية فالعبادات والممارسات العبادية هي غذاء الروح لتنمية طاقات وقدرات العقل والروح ولتطرد الأمراض النفسية من الإنسان.. وموضوعنا فريضة الصيام هي من أهم عناصر الغذاء الروحي لتهذيب الإنسان وبالفعل تتبيّن عظمة الإسلام في نظريته التوازنية فهو يوازن بين الروح والجسد فيعتني بالجسد كما يعتني بالروح ويضع الطرق الشرعية لاشباع غرائز الجسد بأنواعها المتعددة إلى جانب العناية الروحية واشباع هذا الفراغ بالأساليب المشروعة أيضاً يقول سبحانه وتعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...) (القصص/ 7). وفي حديث الرسول (ص): "ليس خيركم مَن ترك دنياه لآخرته ولا مَن ترك آخرته لدنياه بل خيركم مَن أخذ من هذه وهذه". فالإسلام يقنن الغذاء لتربية الجسد وهذا أمر معروف إلى جانبه هنالك التغذية الروحية المقننة لتربية روح الإنسان. فالتطبيق الواعي يضمن ولادة الإرادة الفولاذية في الإنسان التي تضمن قدرته على مواجهة الحالات السيئة في النفس والأُمّة. نعود للآية المباركة التي افتتحنا حديثنا بها فهي في صدد البناء الروحي للإنسان كفرد وكذلك في تنمية العلائق الطيبة بين أواصر المجتمع فلنتناول مفرداتها قليلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها المؤمنون بالشريعة يا أيها المصدقون بها. نلاحظ إنّ النداء جاء بشكلٍ جمعي يشمل المؤمنين وهذا التخصيص الإلهي بالمؤمنين لقبولهم القرار الشرعي لأنّ العبادة لا تصح من غيرهم. ولا بأس من بيان التأثير النفسي الإيجابي في النداء الجمعي فمن ناحية يتصور كلّ إنسان يستجيب لأداء هذه الفريضة إنّه من الذين ناداهم الله بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ). ومن ناحية أخرى إنّ النداء الجماعي يوفر مناخاً مناسباً ومشجعاً لتطبيق القرار مهما بلغ من الشدة ومن ناحية ثالثة إنّ المؤمنين يشعرون بقربهم إلى الله عزّ وجلّ حينما يناديهم وإنّهم متقدمون على بقية الناس فالنداء إليهم لا يشمل جميع الناس كما في النداءات القرآنية الأُخرى. قال: إذا سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارع لها سمعك فإنّها لأمرٍ تؤمر به أو لنهي تنهى عنه. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
أي قُرَّ وفُرض عليكم فرض الصوم واجباً شرعياً كما كان مفروضاً على الأُمم السالفة عبر كتبهم المقدسة وورد أنّه فرض علينا صوم شهر رمضان كما فرض صوم شهر رمضان على النصارى وكان يتفق ذلك في الحر الشديد والبرد الشديد فحوّله إلى الربيع وزادوا في عدده.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق