◄للعمل الصالح آثار وبركات، وكذلك لعمل المُصلحين، ولأنّ الإصلاح نوع من أنواع العمل الصالح، إن لم يكن من أرقى أنواعه وأكثرها أثراً، قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النِّساء/ 114).
وأنت تجده في الآية أعلاه، مصداقاً للنجوى التي تحمل الخير، في رديف الأمر بالصدقة والأمر بالمعروف، نصّاً ودلالة على أهميّة العمل الإصلاحي ودوره في المجتمع.
ولعلّ الإصلاح يتقدّم ويترتّب في أولويات المسؤوليات وعظائم المهام في المجتمع، حيث تعصف بالمجتمع ريح الفساد وتهدّ أركانه وتُهدِّد كيانه وتجعله على قاب قوسين أو أدنى من شفير الانهيار، فلا ملاذ ولا إنقاذ إلاّ عندما يهبّ المُصلحون، يصدّون الفساد ويوقفون مدّه الأسود، وينشرون الفضيلة ويبعثون في البلاد روح النهضة والصلاح، فبعملهم يكونون قد أنجوا المجتمع، ولولا جهودهم لدُمِّرت البلاد.
يقول تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود/ 117).
فالأمر ليس سيّان، وإن كان الجوهر واحداً، والأثر متحداً، بين كلمة إصلاحٍ تُطفئُ نارَ الغضبِ التي أشعلها الشيطان بين شخصين، أو كلمة إصلاح تخمد كلمة سوءِ تُشعِلُ نار الحرب التي أوقدها بين شعبين أو دولتين.. وهكذا سائر الخطوات على طريق الصُّلح، أو على طريق الإصلاح، على مستوى الفرد أو المجتمع والدولة، فلكلّ دورها ولكلّ أثرها.
وفيما يلي وقفة مع آيات القرآن، المرتبطة بعنوان الإصلاح، نتعرّف من خلالها على أهمّ الآثار المباركة لعمل المُصلحين، إضافة إلى ما يشملهم بالعنوان العام من آثار للعمل الصالح والباقيات الصالحات، ومنها:
أوّلاً – الآثار الشخصية والبركات الذاتية:
يبدأ الإصلاح بإصلاح الفرد لذاته وتزكيته لنفسه، من خلال تطهيرها من الذُّنوب والآثام والتدرُّج بها على طريق الصالحين، بالعمل الصالح والخير النافع، للفرد والمجتمع، ولهذا كلّه على ذات الإنسان نفسهِ آثارٌ ولشخصهِ بركاتٌ، نذكر منها:
أ) قبول التوبة وغفران الذنوب، لقوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 39).
ب) ولإصلاح الذات وإصلاح الأعمال.. أثر دنيوي، وهو دفع العقوبة عن المُخطئ الذي أساء فاستغفر واعتذر، فإنّ ذلك مدعاة لدفع العقوبة عنه، بعدما علم بصلاح حاله وندمه عمّا سلف منه، قال تعالى: (وَاللّذانِ يَأتِيَانِها مِنكُم فَآذُوهُما فإنْ تابا وأصلَحَا فَاَعرِضُوا عَنهُما إنّ اللهَ كانَ تَوّاباً رَحيماً) (النِّساء/ 16).
ت) الأجر والثواب من الله تعالى، لقوله:( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى/ 40)، بل الوعد بالأجر العظيم لقوله تعالى: (إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (النِّساء/ 146).
ث) التنعُّم بالأمن والأمان والصحّة والإطمئنان، لقوله تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام/ 48)، وقوله: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف/ 35).
ج) وأخيراً، تجنيب الصالحين النار وإدخالهم الجنّات، كجزاء لصالح حالهم وفلاحهم، لقوله تعالى: (رَبَّنا وَأدخِلهُم جَنَّاتِ عَدنٍ التي وَعَدتَهُم ومَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وأزوَاجِهِم وذُرِّيّاتِهِم إنّكَ أنتَ العَزيزُ الحَكِيم * وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ ومَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَومَئِذٍ فَقَدْ رَحِمتَهُ وذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم) (غافر/ 8-9).
ثانياً – آثار الإصلاح في المجتمع:
على المجتمع أن يعمل على دعم حركة الإصلاح فيه، من قِبَل الأفراد وسائر الجماعات، لأنّ في ذلك صلاحه وفلاحه، بل وجوده وبقاءه، حيث إنّ وجود المُصلحين ونجاحهم في عملهم يعمّ سائر مرافق المجتمع بالبركة والآثار الطيِّبة، وفيما يلي أهم هذه الآثار:
1- إشاعة جوّ الصُّلح والخير والوئام بين أفراد المجتمع، بدلاً من البغضاء والتقاطع والتقاتل، وبذا يعيش المجتمع بعيداً عن كثير من الصراعات ليحتفظ بطاقاته للبناء والتقدّم، قال تعالى: (... والصُّلحُ خَير) (النِّساء/ 128)، وهو شعار ينبغي أن يرفع في كلّ مكان من هذا العالم، ليكون دليلاً للمحبّة وطريقاً للسلام.
2- تأصيل روح الأخوّة بين المؤمنين، ممّا يُعمِّق إرتباطهم وتعاونهم على البرّ والتقوى ويبعدهم عن الإثم والعدوان، وفي ذلك يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحُجرات/ 10)، وبذلك تُحقن الدِّماء وتُحفظ الأرواح بعيداً عن الفتن والحروب.
3- بسط العدل وإقامة القسط، لأنّ الصُّلح فرصة لوقف العدوان وبذلك يعمّ القانون المجتمع فينعم بالعدالة، قال تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) (الحُجرات/ 9). وفي الإصلاح: ردّ للحقوق المسلوبة إلى أصحابها وإرجاع الحقّ إلى أهله وبسط القِسط وإقامة للعدل.
4- نشر الإيمان وإنتشار أجواء الطاعة للرّحمان، لأنّ الاختلاف موئل وموطن للشيطان، والصُّلح والائتلاف يسدّ الطريق عليه وهو طريق إلى القُرب من الله تعالى وتصفية النفوس وتطهيرها من الأحقاد والآثام ومعصية الله، يقول تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الأنفال/ 1).
إنّ الفساد مرتع خصب للشيطان ومجال واسع للذنوب والآثام، حيث السرقة والرشوة وغصب حقوق الناس والترف والسرف، وكلّ ما يبعد عن الله تعالى؛ ولذلك فإنّ تشديد الإصلاح وتوسيع حركته بالشكل الذي يُضيِّق على الفاسدين المنافذ ويسدّ عليهم الأجواء يجعل مساحة المعصية ضيِّقة وأبواب الجنّة مفتوحة، بالعمل الصالح والبناء.
5- إنّ الله تعالى يدفع البلاء عن البلاد بالإصلاح وبوجود الناس المُصلحين، أفراداً وجماعات، إذ لولاهم لعمّ الفساد وأُهلِكَ الحَرثُ والنسلُ، وفي ذلك يقول تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود/ 117).
6- بل لولا جهود المُصلحين وإرادة ربّ العالمين، لطغى الفاسدون وامتدّوا بآثارهم ليُخرِّبوا ويُدمِّروا كلّ شيء على الأرض.. من برٍّ وبحر وأرض وسماء، فهم فاسدون مُفسدون.. ولكنّ الله تعالى يُوفِّق المُصلحين لكي لا تفلح جهود المفسدين ولا تثمر خطواتهم، والمُصلحون يعملون من أجل وعي الناس وحثِّهم لمكافحة الباطل وفساده، يقول تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) (الأعراف/ 85).
ويقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (الرُّوم/ 41).
ويقول تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ) (البقرة/ 2). ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
نجم الدين
شكرا على التنوير