وجدت في هذا العالم كالبذرة التي ينتظر نضجها لتصبح أفضل ما يمكن أن تكون عليه.
إنّك في حاجة للتربة كي تنضج، كي يصبح لديك متنفس صحيح، كي تتمدد وتفرد أجنحتك، كي تنجح، وتبتعد عن الفشل.
ليست هناك قواعد لترشدك، عليك أن تجد طريقك بسرعتك الخاصة، وأن تقبل الحقائق التي تكتشفها عن ذلك، أقلع عن شبكة الأمان وخض المخاطر، وسوف تكتشف أنّ عالمك ينضج بالأخطاء التي تستطيع أن تتحمل مسؤوليتها.
إذا سمحت لوالديك أن يبقيا بالقرب منك على نحو مبالغ فيه، فإنّك ستظل طفلاً للأبد، فلا يمكنك أن تنضج في وجود والدين لا يصدقان أنّك إنسان جيّد.
لا يمكنك أن تنضج عندما يكون هناك من يقوم من البشر على حمايتك دائماً.
إنّ النُضْجَ هو تحرير الأشياء الجيّدة الموجودة لديك بالفعل، إنّك تفعل ذلك بترك ما لا يصلح لك، إنّ فقدان وهم زائف مكسب، ولكن لابدّ أن تكتشف ذلك بنفسك.
إنّ أقصى مراحل نضجك هي عندما تؤمن بأنّ لديك شيئاً تمنحه للعالم.
إن لم تنضج، يصبح كلُّ شيء تكراراً للماضي.
إنّك دائماً تنمو عندما تمنح الحب.
إنّ الذات التي تعجبك هي الشخص الذي تكوّنه.
إنّ الفشل في الاعتراف بالحقيقة دائماً ما يعوق نضجك، وحتى الأطفال والأغبياء لديهم دروس يلقنونها للآخرين.
لا تزدد عمراً، بل ازدد نماءً إلى الأفضل.
إنّ توقعاتك تسلب منك البهجة أكثر مما يسلبك الفشل إياها.
إنّ التوقعات تخلق خيبة الأمل وذروة النجاح بالسماح لك أن تشعر بأنّ العمل الجيد ليس عظيماً، إنّ توقع الفشل فشل في حد ذاته.
فعندما تتوقع أن تخسر، فإنّك تتصيّد دلائل الخسارة وتتفاعل معها كدليل على فشلك، على النجاح المفقود في هذه العملية.
إذا بالغت في توقعاتك، فإنّ الذين يتسمون بالعطاء سوف يخذلونك.
إنّ بلوغ التوازن بين الانفتاح والحذر أمر صعب المنال. إنّك تريد أن تجرب مباهج الحياة دونما ارتياب أو إنهاك. إنّك لا تريد أن تُجرح، فالبراءة لا تتوقع الخداع، ولهذا السبب يستطيع الأطفال أن يبلغوا ذروة السعادة.
ليس هناك مفاجأة مروعة، مثل أن تكتشف شيئاً لم تتوقع أبداً أن تواجهه، إنّك في حاجة لأن تحمي نفسك بدون أن تقلل من صراحتك وانفتاحك على العالم، إنّ التقليل من توقعاتك يزيد من تكاملك.
يحسن بنا استثمار الخطأ والفشل وتوظيفه بما ينقله إلى الصواب والنجاح، وقد ذكر الأستاذ أحمد بن سالم الحوسني في كتابه (20 قاعدة في استثمار الأخطاء) مما يجدر التوقف عنده، فقال:
1- لا تفترض العصمة في الأشخاص فتحاسبهم بمقتضى ذلك، وما وقع فيه زيد من الخطأ قد تقع فيه أنت، فالخطأ من طبيعة البشر، ولا يكاد يسلم منه إنسان.
2- أخلص نيتك في تصحيح أخطائك وأخطاء الآخرين من حولك، فالإخلاص أساس العمل وروحه التي يغدو أجوف بدونها لا روح فيه ولا أجر عليه.
3- إياك والانتصار للنفس، فإن كنت مخطئاً، وأدركت ذلك، فاعترف بخطئك، وليس قدر العيب في الخطأ كقدره في التمادي فيه، وقد علمت أنّه خطأ.
4- ليس الخطأ نهاية المطاف، بل هو بداية التصحيح، فالإنسان الناجح يتعلم من أخطائه، ويستفيد منها، ويجعلها خطوة دافعة لا محبطة، لذلك يجدر بك أن تتعلّم كيف تستفيد من الخطأ، وذلك بتقويمه والبحث عن أسبابه وجذوره، ثمّ تصحيحها حسب طبيعة الخطأ وحجمه وموقعه.
5- أعطِ كلّ خطأ حجمه الطبيعي، وضعه في إطاره الصحيح دون تهويل ولا تقليل، فذلك يساعدك على تحديد آلية التعامل المناسبة.
6- كن هادئاً في تعاملك مع الخطأ، فالهدوء طريقك لاختيار الأسلوب الأمثل للمعالجة، كما يجنبك الوقوع في محاذير أنت في غنى عنها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة. فكن هادئاً، بارد الأعصاب، حتى وإن تعرضت للسب والشتم والاستفزاز؛ لأنّ غضبك عندها يشفي غريمك ويشقيك في حين أنّ هدوءك يغيظه ويزيده حنقاً، إن كان معانداً!، ويريحه ويقربه، إن كان قاصداً لحقٍّ.
7- كن ليناً في التعامل، سمحاً في المعالجة؛ لأنّ هدفك التصحيح لا المعاقبة والشدة، وإن دعت الحاجة إليها في بعض المواقف إلّا أنّها من الندرة بمكان.
8- ليكن اهتمامك بكسب الأشخاص أكبر من اهتمامك بكسب المواقف، فربما يخطئ عليك إنسان فيجرحك بكلامه أو يحرجك بمعاملته، فتكون قادراً على الرد وكسب الموقف إلّا أنّ ذلك قد يفقدك الشخص نفسه!!
9- لا تتسرع في تخطئة الآخرين، فربما يكون للمخطئ بنظرك وجه فيما أقدم عليه، وربما صنع ذلك لمصلحة خُفِيَتْ عليك، ولا تتعجل بالعقوبة – إن كانت بيدك – قبل أن تعرف ظرف المخطئ أو تتبين الأمر، فكم من رجل طلق زوجه بسبب تعجله في العقوبة، وقد كانت تسعى لمصلحته، وكم من أب جنى على ابنه، ولم يمهله ليدفع عن نفسه، وكم من مدير عاقب موظفاً دون استماع إلى عذره، وكم من أخ هجر أخاه لتسرعه وعدم إمهاله!!؛ لذا كن متأنياً، فإنّ التسرع ليس من الحكمة في شيء.
10- كن مقدراً لعلاقتك بالمخطئ، وموقع كلٍّ منكما، فقد تكون منزلتك قريبةً منه وتعرف مداخله، فيسهل عليك العلاج، وقد تكون العلاقة بينكما ليست بالقوية، أو أنّ هناك بعض الظروف التي تحول دون المصارحة، أو أنّ المخطئ سيكون أكثر تقبلاً لو جاءه التصحيح من طرف آخر، فهنا يفضل إرسال شخص قريب من المخطئ، ليتولى التصحيح، لكن لابدّ من الحكمة، لأنّ بعض الأخطاء لا تحتمل نقلاً للآخرين، أو قد يؤثر الإرسال في نفسية المخطئ إذا ما علم بأنّ المصحح إنما هو رسول من فلان، فالتقدير مهم جدّاً وإلّا خيف من حدوث ما لا تحمد عقباه، ومن اعتبار المواقع أنّ المخطئ قد يكون أعلى منزلة من المصحح، كأن يكون أباً أو أستاذاً أو شيخاً فلابدّ عندها من التأني، وإيجاد المداخل المناسبة بعد التأكد من الخطأ، وربما يحسن في كثير من المواقف السكوت اتهاماً للنفس وحفظاً لمنزلة أولئك.
11- احذر من إصلاح خطأ يؤدي إلى خطأ أكبر، فإنّما قصدت بالتصحيح المصلحة، فإن أدى إلى مفسدة فهو ليس إصلاحاً عندها، بل هو إفساد تترتب عليه مضار أكبر؛ لذلك فاحرص على أن تكون لك نظرة تتجاوز موقع الخطأ وتحيط بجميع أبعاده.
12- كن مراعياً للطبيعة التي نشأ عنها الخطأ، فقد يقع الإنسان في الخطأ بسبب طبيعته التي نشأ عليها.
13- لابدّ من مراعاة بيئة المخطئ، لأنّ الذي يعيش في المدينة طبيعته تختلف عن الذي يعيش في بيئة بدوية أو جبلية أو قروية.
14- قد يسكت الإنسان عن الخطأ لتأليف قلب المخطئ، وربما تقبل بعض أخطائه، ويُصحح بعضها حسب الخطأ وحجمه.
15- عليك بالتفريق بين ما إذا كان المخطئ جاهلاً، أو متعمداً، أو ناسياً في أسلوب تبليغه حسب الطبائع، كذلك التفريق بين الذي يكرر الخطأ، وبين من وقع فيه لمرة واحدة.
16- إذا احتوى عمل شخص ما على خطأ معين فلابدّ من تقدير قيمة الخطأ بالنسبة للعمل كلِّه، وهو ميزان في مسألة النقد الهادف، ويقتصر في الإنكار على موضع الخطأ مع تقبل باقي العمل حسب التقدير.
17- إذا قررت أن تواجه شخصاً بخطئه، فاختر وقتاً مناسباً ومكاناً مناسباً، ولا تنقده في حضرة الناس.
18- لابدّ من حفظ مكانة المخطئ وتقدير رأيه إذا ما صدر خطؤه عن نظر منه، ومناقشته في ذلك بصورة هادئة بدون تسفيه.
19- لا تقلد في التصحيح، فالأسلوب الذي يستطيعه زيد قد لا يمكن لعمرو أن يستخدمه، لذلك لابدّ من توخي الحكمة وتقدير الموقف.
20- ليس كلُّ الناس أهلاً للمصارحة، أو تقبل النقد، فمنهم من يقبل، ومنهم من يقبل ظاهراً، لكنّه يضمر في نفسه خلاف ذلك!، ومنهم من يدافع عن نفسه بالباطل!، ومنهم من يغضب ويزمجر!!.
لذلك، فإنِّي لا أرى أنّ المصارحة هي الخيار الأوّل، حتى عند إتاحة الفرصة لها، بل يعتمد على الوضع، وعلى الموقف، وعلى نفسية المخطئ، كما يؤخذ في الحسبان مدى قوة أو ضعف العلاقة بين المخطئ والمصحح، ولابدّ أن ينتبه المربي أو المعلم أو الناقد لمثل هذا الأمر فلا يتعجل بنقد التصرفات أو النشاطات أو المساهمات بمختلف أنواعها إلّا بعد أن يدرس شخصية من يقوّمه وأثر النقد على نفسه، وربما كان السكوت على مساهمات المبتدئين والاكتفاء بتشجيعهم على التقدم أجدى وأنفع من النقد، ولو كان هادفاً؛ لأنّه قد يشككهم في قدراتهم.
الكاتب: عبد الله محمّد الدرويش
المصدر: كتاب الأطفال.. الطريق إلى المستقبل
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق