لقد خلق الله سبحانه المرأة لتكون عنصراً فاعلاً في المجتمع الإنساني، لأنّها طرفاً أساسياً فيه، تقابل الرجل الطرف الأوّل. فمنهما يتكوّن أفراد المجتمع الإنساني. قال الله سبحانه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) (المؤمنون/ 115). كلا إنّما خلقهما لمهمّة خطيرة، لها أبعادها، كما لها حيويتها، إنّها إنسانية الوجود، وازدهارها في خضمّ الحياة لما فيه الخير والسعادة، والعيش الرغيد. وحيث أنّها تقابل الرجل العنصر الأوّل في تقويم المجتمع الذي أراده الله لعباده، فلابدّ أن تكون معه في مستوى واحد من حيث القابليات، والإدراك: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (الأنعام/ 98)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء/ 1).
الإسلام دين عظيم، يكرّم الإنسان ويعلي منزلته، وقد أكرم المرأة أيّما إكرام، وأنقذها من ربقة الجاهلية الظالمة. وفي هذا العصر كَثُرَ الحديث عن العنف ضد المرأة. فالعنف ضد المرأة من الظواهر الاجتماعية التي نحتاج إلى الحديث عنها في خطبنا ومحاضراتنا وبرامجنا.
لابدّ من توضيح أنّ الله أكرم المرأة ورفع شأنها وأعلى قدرها، وكفل لها من الحقوق ما لن تجده في أي ملّة أُخرى، ففي الإسلام المرأة مقدّرة إن كانت أُمّاً أو زوجة أو بنتاً، ومهما طوّف الناس وتكلموا في قضية المرأة فلن يجدوا شرعة حفظت لها الحقوق وحمتها من التجني وأكرمتها غاية الإكرام مثل شرعة الإسلام. والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً نهى عن ضرب المرأة، وقال عن الضارب للمرأة: «لقد طاف بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أُولئك بخياركم». ولم يُعهد عنه أنّه ضرب امرأة ولا بنتاً ولا خادماً، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يُحسن إلى المرأة في المال والأخلاق والعواطف والتعامل وغير ذلك. وإذا كان الظلم محرماً فهو في حقِّ القرابات أشد وطأة ومضضاً، وحين يُمارس على المرأة التي فطرها الله على الضعف فهو أشد وأسوأ.
وهناك في المجتمع صور من العنف المحرم ضد المرأة، فمنها القسوة في المعاملة؛ بالضرب تارة، وبالحبس والحرمان من الحقوق، والتجني في الألفاظ، والأذى في الأبدان، وحتى التخويف والإذلال، نوع من العنف ضد المرأة، وهو طبعٌ لا يفعله كريم. ونتعجب حقيقةً أن تمتد يد رجل يتباهى بقوّته إلى امرأة طُبعت على الضعف، وقد أنكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على مَن رفع يده على امرأة، وقال ليس أُولئك بخياركم، فليس بكريم مَن أكرمه أُناس بابنتهم ثمّ استغل ضعفها فتطاول عليها... نعم الضرب في الإسلام للزوجة له حدّ، حين تتعذر كلّ الطُّرق للإصلاح، ويكون غير مبرح؛ للتأديب لا للإيلام.
كلّ صُوَر العنف تجاه المرأة، وهي أُمور لا يرضاها الإسلام وينهى عنها. ومَن نظر في الآيات وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجد كثيراً ممّا يحفظ للمرأة حقّها، فمثلاً (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228)، «خيركم خيركم لأهله»، «مَن أحسن إلى البنات كان ذلك ستراً له من النار»... هذا دين الإسلام وشرعته الصافية التي أغلقت كلّ منافذ العنف ضد المرأة.
وختاماً، العنف ضد المرأة ما نشأ إلّا عن جهل بالحقِّ الشرعي، ويبقى الدور في العلاج تتحمّله أكثر من جهة. فالتوجيه منذ الدراسة مهم في هذا الأمر، وتواصل المدرسة مع الأبناء والبنات وتلمس الحاجات ممّا يعين ويخفف. ولوسائل الإعلام دور مهم جدّاً في التوجيه، والأهم من ذلك القُضاة الذين لهم دور في الحزم مع مَن يصدر منه مثل هذا التصرّف، وعدم تأخير البت في قضايا العنف.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق