في كلّ عام، في الخامس عشر من شهر شعبان تتجدد ذكرى ولادة الإمام الحجّة المهدي (عجل الله فرجه) الساكن في قلب الزمن الذي تمرّ أعوامه وشهوره، منتظراً من كلّ جيل أن يلتفت إلى ما تعنيه ذكراه من رمزية دينية وإنسانية عالية، تفتح المجال أمامنا على مزيد من المسؤولية والوعي. الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو أمل المستقبل، لأنّ ثورته وتطلّعاته تنفتح على عنوان كبير، هو عنوان الرسالات، فقد انطلقت الرسالات كلّها من قاعدة العدل، فالدِّين في معناه الحركي، في معنى الإنسان المنفتح على الله، يساوي العدل، فأن يكون لك دين، يعني أنّك عادل، لأنّ الدِّين في معناه الأعمق يقوم على أساس الحقّ. وفي القرآن الكريم، هناك آية تقول: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) (الحجّ/ 6)، فالله هو الحقّ، والدِّين يتحرّك في سرّ هذا الحقّ، ليجعل العقل حقّاً في فكره، وليجعل القلب حقّاً في نبضاته السلبية والإيجابية، وليجعل الحركة في الكيان حقّاً في علاقتها بالناس وبالأشياء وبالحياة، وليجعل الناس مجموعة تتعاون بالحقّ، وتتكامل بالحقّ، وتؤكّد الحقّ في الحياة.
والعدل هو أن تعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، بأن تدرس حقوق الناس، وحقوق الحياة، وحقوق نفسك، وقبل ذلك، حقّ الله سبحانه وتعالى، فتعطي لكلّ ذي حقّ حقّه. وكلمة العدل تختصر في حركيّتها كلمة الحقّ، ولذلك، فأن تصلّي وتصوم وتحجّ، ولا تعطي الناس حقوقهم فيما لهم عليك من حقوق، فأنت لست بصاحب دين، لأنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومنع الإنسان حقّه من أكبر المنكرات. وهكذا الصوم الذي هو طريق التقوى، وأيّ تقوى لك إذا كنت لا تعدل في علاقتك بالناس الذين يتمثَّل حقّهم في عدلك؟! مَولده في بعده الإنساني والاجتماعي، يستجمع كلّ خصال القيمة المرتكزة إلى العدل والحقّ في مواجهة الباطل.
إنّنا مطالبون في كلّ آن بأن نفهم البُعد الديني لرمزية هذا الإمام، من خلال الانفتاح على الفهم الحيّ لمظاهر إرادة الله وعظمته وقدرته في خلقه، وترجمة هذا الفهم تأكيداً أكثر لعمق الارتباط بالله، بما يؤدّي إلى نهوض إنسان مهدويّ يحمل عبء الرسالة فيما تعنيه وتدعو إليه. كما أنّنا مطالبون بأن نفهم البُعد الاجتماعي والإنساني لهذه المناسبة، عبر رفض الظّلم، وتأكيد العدل في كلّ ساحاتنا وأوضاعنا وعلاقاتنا، حيث تفتقد هذه الساحات للعدل الذي يبرز أصالة المؤمن.
إنّ التمهيد لعصر الظهور هو التزام وعمل ووعي ومسؤولية، وليس شيئاً عادياً أو هامشياً، بل اندفاعاً مستمراً نحو تصحيح حركتنا في المجتمع، بما يضمن تحقيق العدل والخير. فالإمام المهدي يحتاج إلى ممهدين صلحاء يعيشون الإخلاص لله والطاعة له وتوحيده، بما يحجزهم عن المحارم والشبهات، ويمنعهم من العيش في أُفق ضيِّق على الهامش، لا يعبّر عن أخلاقيات الأئمّة (عليهم السلام)، ويحرمنا من انتظار مؤثِّر وفاعل، فنحن لا نحتاج إلى شعارات ومجرّد كلمات لنعبّر عن حبّنا للمهدي (عجل الله فرجه)، بل الأساس هو فهم حركة الإمام المهدي ورسالته وأهدافه التي هي أهداف الإسلام السامية، والتي هي أهداف كلّ الأديان التي جاءت من أجل صوغ إنسان كامل يرتقي بدوره ومسؤولياته في حركة دائبة كادحة نحو الله تعالى.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق