• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المكانة العظمى لـ«حُسن الخُلق»

أسرة البلاغ

المكانة العظمى لـ«حُسن الخُلق»

◄الوجود الإنساني يشكل منظومة متكاملة متعددة الجوانب وكلّ ما يتعلق بهذه المنظومة من موارد ومصادر وأفكار وأعمال يؤثر فيها.

إن صفحة النفس رقيقة وشفافة كصفحة الماء الصافي تنعكس فيها اية صورة تتلقاها وتحرك ذراتها كنسائم الهواء ونفحات البشر.

والإنسان اجتماعي بالطبع، لا يعيش لوحده، بل يعيش مع غيره، فهو صوت وصدى لما يولد في داخله وما يتلقاه من خارجه ولذا عّد علماء النفس انسجام الإنسان مع محيطه الاجتماعي وحُسن علاقاته بمن حوله أحد أهم معالم التكيّف النفسي الناجح... وأحد معالم ارتياح الانسان وسعادته.

ويعبّر عن حُسن تعامل الإنسان مع غيره وتعاطيه الإيجابي معهم بحُسن الخُلق ولحُسن الخُلق في الأديان عموماً والإسلام خصوصاً مكانة عظمى وقد روي عن الرسول (ص): "إّنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" بل روي عنه أيضاً (ص): "الإسلام حُسن الخُلق" وأيضاً: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً". وحُسن الخُلق يبدأ من النفس بتهذيبها وتزكيتها بإكتساب مكارم الأخلاق ومحاسن الفعال وبالتالي انعكاس هذه التربية في التعامل مع الآخرين.

والأصل فيه أولاً: الوقوف عند حدود الله، فلا يتعدى دائرة الحلال إلى الحرام، لأن الحرام كلّ قبيح وسيئ وخبيث من الشرّ والظلم والعدوان والبغي ومن ثم الإنتقال إلى التعامل مع الآخرين بالحسنى والأكرام، وفي ذلك يقول الإمام عليّ (ع): "حُسن الخُلق في ثلاث: اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسّع على العيال".

ولا شك بأن الدائرة الرحبة لحُسن الخُلق هي في التعامل مع الآخرين بأدب وطيب ومحبة وود، فقد سُئل الإمام الصادق (ع) عن حد حُسن الخُلق فقال: "تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حَسَن".

وفي سؤال آخر من مكارم الأخلاق، قال (ع): "العفو عمن ظلمك، وصلة من قطعك، وإعطاء من حرمك، وقول الحق ولو على نفسك".

إن حُسن الخُلق يكسب الإنسان زينةً وجمالاً في ظاهره وباطنه فينجذب إليه الناس ويرتاحون إليه فتكون بينهم وبينه مودة وألفة، يخرج الناس من وحدته ووحشته فيأنس بنفسه ويكون أنيساً لغيره، فيكون بذلك متواصلاً إيجابياً مع محيطه الاجتماعي، وكلّ ذلك يكسب مناعة ومكانة شخصية تجاه الحوادث والمخاطر.

ومن جهة أخرى، يشعر الإنسان بأنّه محبوب في مجتمعه وعزيز في أهله فيمتلأ غبطة ويفيض شعوراً بالسعادة وهذا ما يشير إليه قول الإمام جعفر الصادق (ع): "لا عيش أهنأ من حُسن الخُلق".

ولا يقتصر تأثير ذلك على الحالة النفسية والمعنوية للإنسان فحسب، بل يؤثر على الحالة المادية والإقتصادية إذ انّ "حُسن الخُلق يزيد في الرزق" فهو وسيلة ناجحة لكسب رضا المدراء والشركاء  وهو خير طريق إلى جذب المشترين وكسب العملاء التجاريين.

 حُسن الخُلق , هو بمثابة المادة الخضراء الذي يعيش به الشجر، فهو الذي يغذيها بالأكسجين ويهضم غذاءها وهو في نفس الوقت الذي يزينها فلا شجرة بلا خضرة ولا إنسان بلا إنس بغيره وهذا ما يتحصل بحُسن الخُلق.

حُسن الخّلق: طبع وتطبع، والثاني أعظم، فبعض الناس صبور بطبعه هادئ في روعه لين في كلامه، منذ طفولته ونشأته، وقد جُبل على ذلك، وهذا هو الطبع والبعض ثائر في طبعه حاد في تعامله، خشن في سلوكه... وهذا يحتاج إلى أن يجهد نفسه ليتطبع فيعمل على تهدئة خواطره وتحسين طباعه ليتعامل مع الآخرين بلين ومودة ومداراة ومحبة، وهذا هو من أعظم مراتب جهاد النفس، ومن أكثرها فائدة دنيا وآخرة ويستحق العناء، بل كلّ العناء اذا ما تذكر الإنسان إن ذلك يحسن حاله ويسعد حياته ويضع نصب عينيه وصايا الرسول الكريم (ص): "أن صاحب الخُلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم"، "ما من شيء أثقل في الميزان من حُسن الخُلق" . وقول الإمام عليّ (ع): "سوء الخُلق نكد العيش وعذاب النفس".

ولذا يستحق هذا الأمر أن يعمل الإنسان بهذا الإتجاه، ليخصص وقتاً ليتعلم كيف يكتسب مكارم الأخلاق وكيف ينميها ويشيعها في كلّ جوانب حياته... لتكون برداً على نفسه وسلاماً له ولغيره.►

ارسال التعليق

Top