• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البيئة والأخلاق

عمار كاظم

البيئة والأخلاق

الإنسان والبيئة:

الإنسان جزء من عالم الطبيعة في نشأته وتكوينه واستمراره ووجوده على هذه الأرض وهو يتفاعل مع عناصر الطبيعة وظروفها البيئية بشكلٍ مستمرّ، فهو يتأثّر بالبيئة ويؤثر فيها (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ) (إبراهيم/ 32)، فالإنسان جزء من البيئة الطبيعية يتفاعل معها فيأخذ منها ويعطيها وهو مكلّف بإصلاحها ومنهيّ عن الفساد والتخريب فيها. إنّ جُلّ المخاطر التي تتعرّض لها البيئة هي نتاج طبيعي لضعف الوازع الأخلاقي لدى الإنسان، لأنّ الأخلاق ليست هي الحصن المنيع التي تمنح الإنسان معنى الإنسانية وتؤمّن له الاستقرار الداخلي وتنظّم علاقاته بالآخرين فحسب، وإنّما هي أيضاً عنصر الحماية الرئيسي للبيئة ومواردها ومكوّناتها، وكلّما سما الإنسان أخلاقياً وروحياً كان ذلك أدعى للاستقرار البيئي، فضلاً عن الاستقرار الاجتماعي، وكلّما تداعت أو تصدّعت المنظومة الأخلاقية وتردّى الإنسان روحياً، كان ذلك مؤشّراً على ازدياد المخاطر البيئية فضلاً عن الأزمات الاجتماعية، ولذا، فإنّ إصلاح البيئة يبدأ من إصلاح الإنسان، وإصلاح الإنسان لن يكون ميسوراً إلّا بإعادة الاعتبار إلى القيم الأخلاقية السامية، وذلك لأنّه عندما تسود مبادئ النفعية والأنانية، ويغدو الطمع والجشع والاحتكار دليل النجاح والشطارة، وفي المقابل تصبح قيم الرّفق والإحسان والاقتصاد دليل السذاجة والفشل، عندما يسود هذا المنطق بموازينه المغلوطة ومفاهيمه المعكوسة، فعلى الإنسانية السلام وعلى البيئة ألف سلام.

 

الإسلام وحماية البيئة:

وقد اتّخذ الإسلام خطوات فريدة لحماية الصحة والبيئة وسلامة الحياة، وخاطب الإنسان مدافعاً عن البيئة وسلامة الحياة (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف/ 56)، وجعل الطهارة وحماية البيئة من التلوّث نعمة يجب شكرها وبها تتمّ النعم، ويتحدّث رسول الله (ص) عن العناية بالصحة ونظافة البيئة وطهارة المحيط الإنساني فيقول: "إنّ لجسدك عليك حقّاً" وقد نهى الإسلام عن تلويث البيئة وإفسادها كما حثّ على الطهارة.

 

الرفق مفهوم إسلاميّ:

إنّ مفهوم الرفق من المفاهيم الإسلامية التي تساهم في حماية البيئة، لأنّه لا ينحصر بالرّفق بالإنسان بل يتّسع ليشمل الرفق بالحيوان والطبيعة أيضاً، فرُوِيَ عن رسول الله (ص): "إنّ الله يحبّ الرّفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدية فأنجوا عنها، وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها". فالرّفق خُلُق إسلاميّ رفيع ينبغي التخلّق به ومراعاته في التعاطي مع الإنسان أو الحيوان أو الطبيعة. فالإنسان الذي يمثِّل جزءاً من نظام الطبيعة الذي تسير مكوّناته بتناسق وتوافق تامَّيْن. الذي خلق الإنسان من عنصر التراب ونبت من الأرض كما نبتت النباتات، والماء هو أساس الحياة، ومنه صدرت، والله سبحانه قد استعمر الإنسان في هذه الأرض، أي كلّفه بإعمارها وإقامة العمارة الصالحة فيها باستثمار ظروفها الطبيعية، وتسخير أوضاعها البيئية الصالحة ليعرف قدرة الله وفضله عليه.

 

عَظَمة الله:

إنّ ما في الأرض من بيئة طبيعية من جبال تحفظ توازن الأرض ومخلوقاته، حية متعايشة متكاملة الأخذ والعطاء ضمن نظام التوازن التعايشي على هذه الأرض، وما نزل من مطر وما أنبت من نبات، كلّ ذلك دليل عظمة الله وقدرته وعلمه وحكمته، وما صدر من فعل عن عليم حكيم، لا يمكن إلّا أن يكون وجوداً متوازناً متقناً غير متناقض ولا متضارّ في علاقاته، ومبادلاته الطبيعية والبيئية من إفرازات وإشعاع ونتاج ونفايات واستهلاك وتحوّلات، إذا ما تُركت تتعامل وتتفاعل فيما بينها وفق نظام الطبيعة، فَسَتعمل بشكلٍ ذاتيّ على صيانة نظام الطبيعة وحماية التوازن البيئي المعبِّر عن عظمة الخالق وتدبيره.

 

المصدر: كتاب مفاهيم خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top