◄إنّ أوّل كلمة نزل بها جبريل على نبيّنا (ص) هي (اقرأ) ممّا يدل على أنّ القراءة والبحث والاطلاع تشكِّل شيئاً مهماً في بداية قيام الأُمّة، وتشكِّل الوقود الحيّ لاستمرارها.
بناتي العزيزات أبنائي الأعزاء، هل تريدون لعقولكم أن تصبح منفتحة، وهل تريدون لرؤيتكم للأشياء أن تصبح واضحة، وهل تريدون مجالسة أعظم عباقرة الأُمم عبر التأريخ، وهل تريدون الاطلاع على حكمة عصور بأكملها؟... إذا كنتم تريدون ذلك وأكثر منه، فعليكم بالقراءة. نصيحتي لكم: لا تخطفكم وسائل الإعلام من الكتاب، فأنتم حين تقرؤون تهدفون إلى الحصول على شيء ينفعكم، لكن حين تجلسون أمام التلفاز، فإنّكم ترون ما ينفعكم وما يضركم، وما يحل وما لا يحل، وعليكم أن تدركوا أنّ مصداقية ما نقرؤه ونطلع عليه أعلى من مصداقية ما نسمعه، وأنّ قراءة كتاب قد تكون في بعض الأحيان أنفع لكم من مجالسة صاحبه، ولا أريد شرح هذا الآن، لكن أقول لكم: ابذلوا جهداً في اختيار الكتاب الملائم لكم فعلاً، فالكتاب مثل الثوب يستمد كثيراً من جودته ليس من جودة قماشه، وإنما من مدى ملاءمته لجسم لابسه. حين يشتري الواحد منكم كتاباً رديئاً، أو غير ملائم لاهتماماته وحاجاته ومستواه الثقافي، فإنّه يخسر ماله، ويخسر وقتاً عزيزاً، ينفقه في قراءته دون فائدة تذكر. وإذا خُيّر أحدكم بين كتاب سهل سلس، يستوعبه قارئه من غير مشقة وبين كتاب فيه شيء من الصعوبة، وتحتاج قراءته إلى شيء من التركيز والأناة، فإنّ عليه ألا يتردد في اختيار الثاني، وها ما أفعله أنا شخصياً في اختياري للكتب، لماذا نفعل ذلك؟ لأننا نريد من الكتاب أن يرتقي بنا في عالم المعرفة، ولا يمكنه الارتقاء بنا إلا إذا كان أعلى من مستوانا قليلاً لا تفرحوا يا بناتي وأبنائي بقراءة الكتب السهلة؛ لأنّ المرء حين يقرأ لا يفهم إلا ما يعرف، فإذا فهمتم ما تقرأونه، فهذا يعني أنكم تعرفونه، ويكون دور الكتاب هو التذكير ليس أكثر. احرصوا على قراءة الكتاب بطريقة جيدة، احرثوه حرثاً، وضعوا خطوطاً تحت العبارات المهمة، أو انقلوها إلى أوراقكم، حاولوا استنفاد كلّ ما في الكتاب، وفكروا فيما تقرأونه؛ لأنّه لا يصبح ملكاً لكم إلا من خلال التفكير فيه. نحن لا نشكو من ندرة الكتب الممتازة، وإنما نشكو من ندرة القراء الممتازين، وإنّ القارئ الجيد ليس هو الذي يقرأ كتباً كثيرة، ولكنه إذا قرأ كتاباً قرأه بطريقة جيدة. وقد كان العقاد – رحمه الله – يقول: "اقرأ كتاباً جيداً ثلاث مرات، فذلك أنفع لك من قراءة ثلاث كتب جيدة".
إنّ الواحد منكم أيّها الأعزاء والعزيزات إذا قرأ كلّ يوم ربع ساعة، فإنّه يضمن لنفسه قراءة عشرين كتاباً متوسطاً في العام، وهذا ليس بالقليل. وإنّ الواحد منكم لو قرأ في أي علم من العلوم كلّ يوم نصف ساعة، فإنّه يصبح بعد خمس سنوات أستاذاً في ذلك العلم.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى بناتي وأبنائي؟
إنّه يعني الآتي:
1- اقتطعوا جزءاً من مصروفكم الشهري من أجل شراء الكتب وبناء مكتبة صغيرة في المنزل.
2- مطلوب من كلّ واحد منكم أن يخصص ساعة من كلّ يوم – على الأقل – للقراءة المدققة والمتأنية.
3- اقرأوا للمبدعين والكتّاب الجيدين حتى تحصلوا على أكبر قدر ممكن من المعرفة الموثوقة والجديدة.
4- إذا نظم الإنسان وقته على نحو جيد، فإنّه سيجد لديه فراغاً كبيراً يملؤه بالقراءة والاطلاع.►
المصدر: كتاب إلى أبنائي وبناتي خمسون شمعة لإضاءة دروبكم
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق