يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (فصّلت/ ٣٠). الاستقامة نهج وسلوك يبرز هُويّتنا وانتماءنا الحقيقي، ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ الثابت، التي تجسّد بالفعل ارتباطنا الحقيقي بالتوحيد العملي بالله، وتتمثّل في ابتعاد المسلم عن المعصية في كلّ أمر يقدم عليه، بناءً لما دعا إليه الله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) (الأنعام/ 153).
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو صلّيتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ثمّ كان الاثنان أحبّ إليكم من الواحد لم تبلغوا الاستقامة». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن تستقيموا تفلحوا». يقول الإمام عليّ (عليه السلام)، إمام الثبات والاستقامة: «العمل العمل، ثمّ النهاية النهاية، والاستقامة الاستقامة، ثمّ الصبر الصبر، والورع الورع، إنّ لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم». وعنه أيضاً (عليه السلام): «لا مسلك أسلم من الاستقامة، لا سبيل أشرف من الاستقامة» و«اعلموا أنّ الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحقّ، وولاية أهل الحقّ، فإنّ مَن استبدل بنا هلك».
ونحن في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ أرادنا الله تعالى أن نربّي شخصيّتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كلّ التحدّيات التي تواجه الإنسان في مواقفه والتزاماته، وفي كلّ الواقع الإنساني، لأنّ المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضمّ إليها الإرادة، وقد ورد في بعض كلمات أهل البيت (عليهم السلام)، أنّ الإرادة كلّما قويت كلّما قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله: «ما ضَعُف بدن عمّا قويت عليه النيّة». فالنيّة أساس العمل وأساس الاستقامة، والأعمال ثمار النيّات، وصاحب النيّة الصادقة صاحب القلب السليم. وإذا كنت تملك الإرادة القوية والنيّة الحاسمة، فإنّها تعطي بدنك قوّة لتنفيذ ما نويته وأردت أن تعمله. فالإرادة هي من الأُمور التي تتصل باستقامة الحياة أمام كلّ نقاط الضعف والتحدّيات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان في عاداته السلبية، كالإدمان على التدخين أو المخدرات، أو غيرها.
دور الصوم هو أن يجعل منك إنساناً متجدّداً حرّاً قوي الإرادة، رابط الجأش، ثابت الأقدام، أن تستطيع أن تقول «لا» أمام كلّ ما ترفضه، وأن تقول «نعم» أمام كلّ ما تقبله، وإلّا سيكون صيامك كفطرك. وقد ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ربّ صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش، وربّ قائم ليس له من قيامه إلّا التعب والسهر»، وجاء في بعض الأدعية اليومية في شهر رمضان: «اللّهُمّ اجعل صيامي فيه صيام الصائمين، وقيامي فيه قيام القائمين»، أن يصوم عقلك عن الباطل، وقلبك عن الحقد، وأن تكون مواقفك مع الحقِّ ضد الباطل. إنّ هذا هو موسم الرحمة والمغفرة والتمحيص والمحاسبة والمجاهدة، تعالوا لنقم بحالة طوارئ أخلاقية روحية اجتماعية، لنخرج من هذا الشهر ونحن أقرب إلى الله وأقرب إلى الناس الذين يحتاجون إلينا.
وختاماً، (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصّلت/ 31-32). وتلك هي النهاية الحلوة، رضوان الله وجنّته، ولكن بشرط أن تكون مخلصاً وأن يكون الله ربّك وأن تستقيم في هذا الخطّ، أن يستقيم فكرك في خطّ التوحيد وأن يستقيم قلبك في خطّ التوحيد وأن تستقيم حركتك في خطّ التوحيد وإذا آمنت في كلّ حياتك بالله، فمن الطبيعي أن لا تنفصل عن الله في الآخرة إذا لم تنفصل عنه في الدُّنيا، يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل/ 128).مقالات ذات صلة
ارسال التعليق