◄العاطفة من مادة عطف بمعنى الميل والانعطاف الذي هو معبر ارتباط الفرد بالموجود الآخر الذي هو مورد ذلك الارتباط والذي هو خارج إطار النفس، ويعبر عنها أيضاً بالإحساس.
إنّ العامل المؤثر في هكذا ميل هو من جهة الاستعدادات النفسية والحالة الانفعالية للفرد، ومن جهة أخرى هو مجموعة من الشرائط والخصوصيات والجاذبية الموجودة في الطرف المقابل.
ولقد ظهرت العاطفة والإحساسات في وجود الإنسان قبل العقل والإدراك وتعود إلى الأيّام الأولى لحياته.
ومن هذه الجهة كان تأثير العاطفة في العمل أقوى من سائر العوامل والأفكار الأخرى ويجب بالتالي وضعها دائماً تحت المراقبة والتربية الخاصة.
ولقد تعامل علماء النفس والمربون دائماً مع التربية العاطفية على أنها أمر مهم، كذلك كانت هذه التربية العاطفية مورد التوجه الكامل والدقيق للآيات والروايات ومباحث التربية في الإسلام التي كانت تقدم التوصيات والآراء القيمة بشأنها.
والآيات التي تحدثت عن المحبة والمودة والعداوة والعطف والقسوة والطمأنينة والاضطراب وحب الجمال والتجمل وأمثالها تلاحظ البعد العاطفي في كلّ تلك العناوين بمفهومه العام. وحيث أعطيت الموارد أمثال العداوة والقساوة عنوان العاطفة فإنّ اللازم لذلك هو وجود هذه الصفات مع صفاتها المضادة لها مثل المحبة والعطوفة.
إنّ التربية العاطفية إنما هي بمعنى توجيه ومراقبة العواطف والإحساسات وتنمية القابليات من أجل الاستفادة الصحيحة منها في الجهات المطلوبة التي هي خير وسعادة الإنسانية.
وبملاحظة تقسيم العواطف إلى غريزية وفطرية ومادية ومعنوية، فإنّ التربية الإسلامية في كلّ من هذه الأقسام تقدم طريقتها وأسلوبها على أساس مبانيها وأصولها وأهدافها، وعلى هذا الأساس فإنّ التربية الإسلامية وضعت العواطف الطبيعية والغريزية تحت المراقبة وقامت بالاستفادة الصحيحة والعادلة منها، واستثارات القيم الكامنة فيها من أجل تقوية المعنويات. فقد أوصى الشرع الشريف بالعلاقة مع الابن والزوجة وأمثالها ووضعها في خدمة صلاح ورشد وكمال الإنسان، وبالمراقبة منعها من الخروج عن حد الاعتدال.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العواطف الغريزية وموقعها في الحياة الدنيا فقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران/ 14).
وفي المقابل يقول القرآن عن وله الإنسان بهذه العلاقات وعشقه لها وغفلته عن الله تعالى وعن الآخرة في سياق تحذيره منها: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة/ 24).
ويوجد في الشريعة الإسلامية توصيات تربوية وأخلاقية كثيرة من أجل تربية العواطف وعدم القضاء عليها وعدم قمعها وكبتها من أجل الاستفادة منها. ونشير إلى بعض هذه التوصيات والإرشادات:
في نظام التربية الإسلامية في كلّ مقطع من مقاطع حياة الإنسان من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب إلى الكهولة وحتى آخر لحظات الحياة يوجد نوع من التربية والمراقبة العاطفية من أجل وبهدف بناء الإنسان، مثلاً في مورد المحبة والعطف على الأطفال "أحبوا الصبيان وارحموهم فإذا وعدتموهم ففوا لهم".
وقال رسول الله (ص): "مَن قبّل ولده كتب الله له حسنة".
وفي الخبر أنّ رسول الله نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبي (ص): "فهلا واسيت بينهم".
وهذه التوصيات من النبيّ (ص) كانت في ظروف وعادات الجاهلية في أقسى حالاتها من التفرقة وعدم العدالة، فالنبيّ (ص) بمدرسته الإسلامية في التربية والتعليم أحيا العواطف الميتة واستبدل الحياة العائلية والاجتماعية بأخرى مليئة بالمحبة والعطف والأدب والأخلاق.
إنّ تربية العاطفة إنما تكون في مرحلة الصبا والمراهقة والشباب التي هي مرحلة التفتح الأقوى للإحساس وتكوّن الشخصية، وهذه المرحلة تتمتع بحساسية وشفافية أكثر، وتتطلب الكثير من الدقة والمهارة. إنّ احترام شخصية الشباب، والمسالمة والمداراة، وغض النظر والإغماض عن بعض تصرفاتهم، والتعامل معهم بمحبة، وتوجيه ومراقبة مطالبهم وعواطفهم، وفي نفس الوقت منعهم من الطغيان والجموح والتعدي، كلّ ذلك يعد من المسائل الأساسية للتربية في الإسلام والتي لا ينبغي أن تخفى على أعين الآباء والأُمّهات والمعلمين والمربين. لذا فإنّ التسامح والتساهل في هذه المسائل سوف يسبب في وقوع عواقب وخيمة، وكما أظهرت الدراسات الاجتماعية فإنّ الأفراد الذين كانوا محرومين من العاطفة وتربوا في محيط بعيد عن المحبة العائلية أو واجهوا تحقيراً في محيط اجتماعي فإنّهم كانوا معرضين أكثر للإصابة بضرر في أخلاقهم وروحياتهم.
إنّ التشجيع والترغيب بالطهارة النفسية والروحية وإعطاء القيمة لآرائهم ووجهات نظرهم وإعطائهم المسؤوليات المناسبة لهم وأمثال ذلك، من الأمور التي اهتم بها المذهب التربوي في الإسلام.
مثلاً، حول إعطاء القيمة للشخصية المعنوية للشباب. يقول النبيّ (ص): "إنّ الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله".
إنّ الاهتمام بالعواطف في أطوار الطفولة والصبا والشباب أوسع وأكبر وأشد في الشريعة الإسلامية وهو بعد ذلك يمتد حتى تمام مراحل الحياة وسني العمر. ولذا فإنّ عواطف كلّ إنسان تلازمه طول عمره من الطفولة إلى الشيخوخة، وينبغي أن لا يخفى ذلك أيضاً على أعين المربين.
وعلى هذا الأساس هناك توصيات كثيرة في التعاليم الإسلامية بالنسبة لاستعمال وإدخال العطف والمحبة في العلاقات الإنسانية.
يقول القرآن الكريم في وصف خلق وإلفة النبيّ (ص): (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (آل عمران/ 159).
ويقول أيضاً: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة/ 103). ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق