◄لنفهم أوّلاً معنى الفطام النفسي للمراهق:
- ما هو الفطام النفسي للمراهق؟
الفطام النفسي هو التحرُّر من الأسر النفسي للعائلة أو أي سلطة، والتخلص من قيودها الانفعالية الخاصّة بعهد الطفولة والتخلص من الانضواء الطائع تحت سلطانها.
وذلك كي يصبح الشاب حُرّاً في اختيار قراره، حُرّاً في تكوين وجهة النظر التي يراها في الحياة. يجب أن يكون كلّ فتى قد ترك صفات الطفولة من الاعتماد الكلي على أبويه، بل يجب أن يكون مستعداً لمواجهة الحياة.
والفطام النفسي ظاهرة طبيعية تحدث في إبان مرحلة البلوغ، إن لم تجد من الظروف – وأهمّها موقف الوالدين – ما يعوقها عن سيرها السوي.
ولا يقصد بالفطام تحدّي السلطة المشروعة للأبوين أو قطع الصلة بهم، أو عدم العطف عليهم والاهتمام بهم، فالفطام لا يعني عدم الاحترام، بل عدم الاعتماد، فكثيرون ممّن لم يتم فطامهم النفسي يتحدّون الآباء ويتمرّدون عليهم كما يفعل الأطفال. كذلك لا يقصد بالفطام الانفصال عن منزل الأسرة، فهناك مَن يسكنون بمعزل عن آبائهم ولم يتخلصوا بعد من مظاهر الطفولة وروابطها بالأسرة، ومَن ينتظرون دوماً من الدنيا أن تقوم بحمايتهم كما يحميهم آباؤهم من قبل.. فالمراهق أصبح كبيراً لا يجب أن تصدر إليه الأوامر.
- لماذا يعوق الوالدان الفطام النفسي للمراهق:
1- من الآباء والأُمّهات مَن يصعب عليهم أن يفلت من أيديهم النفوذ الذي نعموا به زمناً، فنرى الأب لا يزال يسرف في استعمال سلطته، أو نرى الأُم قد استمرّت تمعن في تدليل ابنها وقضاء حاجته وحلّ مشاكله، وانتظار مشورته والجهد في ألّا يتسرّب عطفه إلى غيرها من الناس.
2- عدم تعرُّفهم التعرُّف الكافي بالخصائص الأساسية للمرحلة لدى بعض الآباء، وعجزهم عن الإقلاع عن عادات ألفوها، وسوء فهمهم أو استغلالهم لحقّ الأبوة، ويؤذي أنفسهم أن يتجه الأبناء بهذه الصفات إلى غيرهم من الناس، وفاتهم أنّ رباط الدم وحده لا يكفي لخلق تلك العواطف النبيلة، وأنّ البيت – مهما حرص عليه الآباء – مبعث لكثير من ضروب الصراع والشدّ والجذب في نفس المراهق، فالبيت في أغلب الأحوال ليس البيئة المثالية التي يرنو إليها الفتى في مقتبل الشباب. ولو قنع الآباء من أبنائهم في هذا العهد بقدر من العطف الذي لا يشوبه كراهية أو خوف، فستكون للآباء في هذه القسمة كسب كبير.
تصبح مشكلة الفطام أعقد وأعسر إن كان المراهق وحيداً في أُسرته أو كان أصغر إخوته أو كان لا ينعم بصحّة سليمة، كما تكون أعقد عند البنات منها عند البنين. مهما يكن من أمر فليذكر الآباء (الذين يعطّلون الفطام)، أنّ أبناءهم سيحملون فيما بعد مسؤولية فشلهم في الحياة، فتحدث المشكلات.
- ما صفات مَن لم يُفطم نفسيّاً؟
· عدم استطاعة التخلي عن الارتباط الطفولي بالوالدين: لا تزال تلازمهم مظاهر اللّاإرادية، أو التمرُّد والاندفاع والأنانية التي يتميّز بها عهد الطفولة.
· ينتظرون من الناس التعامل الطفولي: وهذا ما كان يعهدونه صغاراً في آبائهم.
· يهربون من تحمُّل التبعات ومواجهة مسؤولية الحياة: منهم مَن يستبد به الحنين إلى البيت والوالدين، فلا يطيق الأغراب أو السفر أو الانفصال الذي تقتضيه الحياة الزوجية.
· هؤلاء الكبار لم يشبوا بعد عن الطفولة: وإن كبرت أجسامهم وأحلامهم، فهم لايزالون يعتمدون على آبائهم كما يعتمد الرضيع على لبن أُمّه، ويعوزهم الكثير من الأحداث. بعبارة أخرى، فهؤلاء لم يفطموا بعد نفسياً.
- مضار عدم الفطام النفسي للمراهق:
وأوضح أثر لعدم الفطام النفسي هو ضعف المشاركة في الحياة ولذلك مظاهر، منها:
· في عمله: الشخص الذي لم يتم فطامه العاطفي في أُسرته، يتوقّع من رئيسه في العمل التغاضي عن زلّاته، والتخفيف عنه، والتسامح والتساهل معه، فإن لم يجد في الرئيس ما يرجوه فقد يثور عليه أو يتحدّث عنه بالسُّوء، أو يأخذه الحنق والشعور بالظلم، ويتكوّن في تفكيره وتصرُّفاته غير ما يرجى من أمثاله، وتكون العاقبة فشلاً أكيداً.
· في زواجه: إذا تزوَّج الشخص الذي لم يتم فطامه (شاباً كان أو فتاة)، فإنّه يتوقّع من الزواج ما كان يعهده في المعاملة من أبويه، فإن كان الأبوان من الصنف المتهاون انتظر الأبناء (ذكوراً أو إناث) من شركائهم في الزواج التدليل والترفيه والتسامح رغم ما يُسبِّبهم هذا من الضيق والأذى.
وإن كان الأبوان من الصنف المتسلط المستبد، يطلب الأبناء من شركائهم في الزواج التربية والإرشاد وحمل مسؤولية البيت وتعهُّد الأطفال. ويحدث أن ترفض الفتاة ترك الأُسرة عند الزواج، أو المدينة التي تقيم بها أُسرتها، أو يحمل الزوج زوجته على السكن مع أُسرته، مما يسرع بالحياة الزوجية إلى الفشل. وقد يحدث من مظاهر عدم الفطام أن يميل الفتى إلى الزواج من امرأة تقارب أُمّه في السن، وأن تميل الفتاة إلى الزواج من رجل يقارب أباها في السن، وكلّ ينزع ألّا يحيد عن تلك العادات التي ألفها والروابط التي درج عليها في طفولته، وأمثال تلك الزوجات عرضة لفشل محتم.. فالعلاقة بين الأزواج تختلف في طبيعتها عن الصلة بين الطفل وأبويه، ولا يمكن أن تكون على غرارها.
- دور الوالدين في تيسير الفطام النفسي:
1- نظرة جيِّدة: على الوالدين أن ينظروا إلى موضع الفطام النفسي نظرة جيِّدة بعيداً عن الميل والأثرة والهوى، وأن يأخذوا لهذا الأمر عدته من عهد الصغر حتى تكون عملية الفطام سهلة.
2- عملية الفطام تدريجية: على الوالدين أن يساعدوا على أن تكون عملية الفطام تدريجية، حتى لا يكون فيها عناء نفسي للمراهق وللأبوين فيما بعد، والحقّ أنّ الأسلوب الذي يتبعه الآباء في تنشئة أبنائهم وهم صغار قد يهون الفطام أو يجعله أمراً عسيراً أو يعطله تماماً.
3- تعويد الاستقلال: على الوالدين أن يقوما بتعويد الابن الاستقلالية والاعتماد على النفس منذ طفولته.
· فالطفل في سن السادسة لايزال عاجزاً عن أن يشرب اللبن وحده من كوب، ولا يستطيع أن يلبس ملابسه بنفسه، وتأخذه ثورة من الغضب إن خرجت أُمّه وتركته في البيت، أو لا يقدر على السير في الطريق إلّا مُمسكاً بذراع أبيه.
· وطفل السابعة الذي لايزال يسمح لأُمّه أن تطعمه والذي لا يستطيع النوم بمفرده ليلاً، كلّ تلك الأمثلة يتنبّأ لها علم النفس بمستقبل صعب، وفشل محتمل في الحياة.
4- اهتمامات خارجية بعيداً عن دائرة أبنائهم: على الوالدين أنفسهم أن يخلقوا لأنفسهما اهتمامات خارجية بعيداً عن دائرة أبنائهم، كي تكون لهم تسالي ومشاغل، تستطيع أن تسد الفراغ الذي يحل بحياتهم عند الفطام النفسي لأبنائهم؛ ولكن لا تشغلهم عن القسط اللازم لرعاية الأبناء.
5- تفهُّم رغبات المراهقين والتعرُّف على خصائص مرحلتهم: على الوالدين أن يكونا مُتفهِّمين لرغبة المراهق في الاستقلال وإحساسه بأنّه قد كبر، وبرغبته في التجربة والتعلّم من نتائج هذه التجارب، ولذا فعليهما أن يكونا مستعدين لتقبُّل فكرة هذا الاستقلال ولتحميل المراهق جزءاً كبيراً من المسؤولية ليتعلّم من أخطائه ونجاحه.. مع عدم التخلي عن رعاية تصرُّفاته لأنّ ذلك له أهمية كبيرة في نجاح تربية المراهق.
6- الموضوعية في النصح: على الوالدين عند تقديم النصيحة للمراهق أن يهتمّا بشرح أسبابها وأهميّتها للمراهق.
- بعض اتجاهات الآباء نحو أبنائهم المراهقين:
يلجأ الآباء إلى بعض الأساليب في معاملتهم لأبنائهم المراهقين غير مراعين أنّهم تخطوا مرحلة الطفولة، فمثلاً:
1- يحاولون منع المراهق من المغامرة خوفاً من الخطأ.
2- ينكرون على المراهق أي محاولة للكسب في هذه السن المبكرة.
3- يُكرِّرون على مسامع المراهق مقدار ما عانوه من التربية.
4- إحساس الآباء بأنّ المراهق مازال غير قادر على تحمُّل المسؤولية، وإضفاء هذا الإحساس بالقصور والاتكال الدائم على الآباء.
5- تكرار الكلام عن احتياج الآباء لأبنائهم المراهقين وضرورة عدم ترك الوالدين لاسيما في حالة الآباء كبار السن.
6- استمالة الأبناء للبقاء بجوار والديهم بوعود مالية.
- ماذا يحبّ المراهقون أو يكرهون في أهليهم:
لا تختلف الصفات التي يحبّها المراهق في والديه عن نظرته التي أحبّها في عمر مبكر، فالمراهق يحب أن يتقبَّله والده كما هو، وأن يعامله بعدل ويحترم شخصيته المستقلة وعلى الرغم من تشعُّب اهتمامات المراهق خارج المنزل، وتعدُّد خططه المستقبلية والخاصّة، فإنّه يتلهف إلى المناسبات التي يستطيع فيها أن يؤكد ولاءه العائلي ويُحقِّقه بشكل شخصي كالمشاركة في الاحتفالات العائلية وتبادل الهدايا مع أفراد الأُسرة وغيرها. إلّا أنّ المراهق قد يرفض أُموراً كثيرة في أهله، وفيما يلي الأُمور التي يكرهها المراهق في الأُم التي توصّل الباحثون إليها من خلال دراساتهم في هذا المجال:
1- تأنيبها للولد مراعاة أدب المائدة.
2- انتقادها للعادات الشخصية.
3- مقارنتها له بأحد الأخوة ودعوته إلى التشبُّه به.
4- متابعة نتائج امتحانات ولدها وتوبيخه بسبب درجاته المنخفضة.
5- اعتراضها على التأخير ليلاً مع الزملاء.
6- إكراه الولد على تناول أطعمة لا يحبّها.
7- تدخُّلها في الشؤون المالية لولدها.
هذا بالإضافة إلى صراعات أخرى مثل تدخّل الأُم في اختيار المهنة وإصرارها على متابعة دراسته.
- لماذا نفشل في التعامل مع المراهق؟
النونات الثلاثة للفشل مع المراهقين:
1- لا نعرفهم.
2- لا نُصاحبهم.
3- لا نرفعهم إلينا عند التعامل.
- أسباب خلاف الأُمّهات مع بناتهنّ المراهقات:
تُشير الدراسات إلى ميل الأُمّهات للاهتمام بمشاكل البنات أكثر من اهتمامهنّ بمشاكل الصبيان ربما يرجع لقلق الأُمّهات على بناتهنّ إلى:
1- خوفهنّ من عجز الفتيات نحو اختيار الزوج الملائم.
2- عجزهنّ عن الهرب من المآزق التي تعترض مسلكهنّ مع الصبيان.
وعموماً، فإنّ الأُمّهات لا يبدين ثقة كبيرة ببناتهنّ ولا بقدرتهنّ على تحمُّل مسؤوليات ذواتهنّ بحرِّية.
- تقدير المراهق:
من أهم الأُمور في تربية المراهق هو الاهتمام به وتقديره وإشعاره بالتقدير، ويعتبر ذلك أحد أبرز الأسباب التي يتعلّق من خلالها المراهق بالمربي وهي أيضاً أبرز الأسباب وراء المشكلات الحادثة بينه وبين والديه ومجتمعه، حيث تلك النظرة إليه على أنّه لم يصل إلى درجة تستدعي معاملته كمعاملة الكبار، فإذا وجد مَن يعطيه التقدير نظر إليه نظرة خاصّة وكان هو الشخص الذي يرتبط به المراهق.
وهذا ما يعتبر جانباً من الاهتمام بنمو الذات لدى المراهق، ويعتبر نمو الذات هو أحد جوانب النمو الاجتماعي، ويراعى مناقشته بصورة منطقية في آرائه ومناقشته وأخذ رأيه في القرارات التي تتصل به في محيط أسرته أو مجتمعه.
وتتم تنمية الميل إلى فهم الآخرين ومساعدتهم وتشجيع رغبته في ذلك عن طريق التوعية المناسبة وحثّه ومشاركته في الأنشطة الاجتماعية المتنوعة.
- الزعامة إلى القيادة:
تنمية الميل للزعامة لتكون مهارات قيادية في إطارها الصحيح وذلك بإعطائه الفرص للقيادة في مجتمعاته بصورة مناسبة (مثلاً يتولّى قيادة مجموعة من زملائه لإنهاء مهمّة معيّنة في مجتمعه كتقديم فقرات بحفل سمر أو ... )، وكذلك تولّي القيادة في الأنشطة المدرسية للاتحاد وجماعات النشاط.
- تشجيع تحمُّل المسؤولية:
العمل على زيادة تقبُّل المسؤولية الاجتماعية وإتاحة الفرصة لممارسة الأنشطة الاجتماعية تمشياً مع الخبرات المكتسبة بما يحقق المشاركة في خدمة البيئة، ويشعر المراهق بثقته وذاته ويشعر بالمواطنة والمكانة الاجتماعية، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة، منها نظام الحكم الذاتي في المدارس والأندية ومشاركته في الخدمات الاجتماعية مثل محو الأُمّية ومعسكرات العمل.
- الاهتمام بالمنابع:
· الاهتمام البالغ بالجهات التي تخرج وتعدّ مَن يتعاملون مع المراهقين مثل كلية الخدمة الاجتماعية لإعداد مناسب لما في ذلك من أهمية كبيرة.
· الاهتمام الكبير بالمربين القائمين على تربية الشباب والاهتمام بهم وتدعيم اهتماماتهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم ومواهبهم ومساعدتهم لتحمُّل مسؤولياتهم الاجتماعية وتدريبهم على القيادة.
· الاهتمام بالتربية القومية وتنمية التوعية السياسية لدى الفرد وتنمية المواطنة الصالحة.
· التوعية المناسبة بموضوعات اختيار المهنة واختيار الزوجة وذلك بالقدر المناسب والأسس والأسلوب المناسب.
- أبرز الأخطاء الشائعة في التعامل مع المراهق:
هناك مجموعة من الأخطاء السائدة بين عدد من المربين نعرض بعضها وأبرزها حتى يمكن تجنُّبها:
· استصغاره:
قد تنتقل إلى المربي النظرة الشائعة لدى البعض بالمجتمع فيصبح هو الآخر ينظر إلى المراهق على أنّه مازال طفلاً، ويظل يتعامل معه على أساس هذه النظرة مما يكون له أثره السلبي في تربية المراهق وتقبُّله للتوجيه.
· التسبُّب في الموت الاجتماعي:
وقد يكون لتأثُّر المربي بنظرة البعض للمراهق الأثر في مشاركة المربي نفسه لما قد يصل إليه المراهق من حال الموت الاجتماعي، ويجب أن يحذر المربي من هذه الحالة، بل يجب عليه هو أن يساعد المراهق في الخروج من هذه الحالة، بل الحماية منها من البداية.
- النمطية والتعميم:
تتم النمطية والتعميم أحياناً بطرق سلبية في التعامل مع المراهق، فمع الاختلاف والتفاوت بين عدد من المراهقين في عدد من الخصائص تجد أنّ هناك عدداً من المربين يصرّ على التعامل بنفس الأساليب ويخضع المراهقين جميعاً لنفس الأساليب والوسائل، في حين أنّه من الواجب مع اشتراك الجميع في بعض هذه الأسس والخصائص أن يكون هناك اختلاف في وسائل وطرق إشباع وتحقيق أهداف ومتطلبات المرحلة، فضلاً عن أنّ هناك مجموعة من الصفات تختلف من مراهق لآخر لكلّ منها متطلباتها التي يجب أن تراعى بشكل خاص، وهذا التنوُّع والاستيعاب للطاقات الخاصّة له أثره البالغ في التقدُّم الملحوظ للأفراد عندما يجدون أنفسهم في الأعمال التي يقومون بها وتوفير البيانات المناسبة لهم.
هذه بعض الأمور والأخطاء الشائعة التي يجب أن يراعي المربي تجنُّبها والسعي لإحداث أكبر الأثر أثناء توجيه المراهق. ►
المصدر: كتاب مراهقة بلا إرهاق
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق