ولقد عُرِض على رسول الله (ص) أن يكون مَلَكاً رسولاً، أو عبداً رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً.
فمصدر الشرف للإنسان أن يُحِسَّ ويشعر بتجلِّي الله عليه بعبوديته له؛ لأنّ "العبودية" عطاء عُلويّ من الله.
والإيمان كلّه عزة، والناس تكره كلمة "عبودية"؛ لأنّ عبودية البشر للبشر فيها ذلّة، وفيها أنّ السيد يأخذ خير عبده.
أما العبودية لله فنجد أنّ العبد يأخذ خَيْر سيده؛ ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى قد امتنَّ على نبيه بصفة العبودية، فقال:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ...) (الإسراء/ 1).
فقد أخلص (ص) العبودية لله، فأخذ من فيوضات الحقّ بما يناسب عبوديته.
والحقّ سبحانه يوضح لكلّ عبد:
نَمْ مِلءَ جَفْنيك، فأنا لا تأخذني سِنَة ولا نوم، وأنا قيوم، وإن احتجت مني إلى شيء ما، فادْعُني، وسأمدُّ لك يد العَوْن بما يناسبك.
إنك إن كبَّرْت الحقّ سبحانه وتعالى أعززتَ نفسك، فسجودك وعبوديتك لواحد عافاك من أن تسجد لألوف الأقوياء في الأرض.
واعلم أنك إن التجأتَ إليه سبحانه، وكنت في معيته، كنت أكبر من غيرك، ولا يستطيع أحد أن ينالك بسوء؛ لأنك في معيّة الله، ومَن كان الله معه فلا يحزن.
ولكن الذي يشرُدُ من معية الله هو الذي يتعب.
فالحقّ سبحانه يريد منّا أن نخلص النية في الالتحام بمعية الله تعالى، ليُضفي علينا ربنا سبحانه من صفات جلاله وصفات جماله.
والحقّ سبحانه يطلب منك أن تواجه الحياة في معية الله، فأنت لو واجهت المشكلات في معية من تثق في قوته تواجه الأمور بشجاعة، فما بالك إذا كنتَ في معية الله، وكلّ شيء في الوجود خاضع لله، أيجرؤ شيء أن يقف أمامك وأنت مع الله؟
الله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153).
وما دام الله مع الصابرين فلابدّ أن نعشق الصبر.
وكيف لا نعشق ما يجعل الله معنا؟
والعبادة كلّها طاعة تتمثل في تطبيق ما جاء به المنهج من "إفعل" و"لا تفعل"، وقد يتدخل المنهج في حريتك قليلاً، وأنت بقوة الإيمان تعتبر أنّ هذا التدخُّل في هذه الحرِّية نعمة يجب أن تحمد الله عليها؛ لأنّه لو تركك على هواك، فستفشل.
إذن: الأوامر والنواهي هنا نعمة، يجب أن نحمد ربنا عليها، وكلّ ما يُجريه الله على العبد المؤمن يجب أن يأخذه العبد على أساس أنّه نعمة.
فحين تعرف أنّ العبادة أوصلتك إلى أمر ثقيل على نفسك، فاعرف أنّ هذا لمصلحتك، وعليك أن تحمد الله عليه، وبذلك يدخل المؤمن في زُمْرة الحامدين.
وأنت حين تؤمن بالله، يصبح الله في بالك، فلا يشغلك شيء عنه سبحانه.
فالعبادة خضوع الله سبحانه وتعالى بمنهجه "إفعل" و"لا تفعل"، ولذلك جعل الصلاة أساس العبادة، والسجود هو منتهى الخضوع لله؛ لأنك تأتي بوجهك الذي هو أكرم شيء فيك وتضعه على الأرض عند موضع القدم.
فيكون هذا هو مُنْتهى الخضوع لله، ويتم هذا أمام الناس جميعاً في الصلاة؛ لإعلان خضوعك لله أمام البشر جميعاً.
الصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحقّ تبارك وتعالى، وهي أيضاً استحضارُ العبدِ وقفتَه بين يدي ربه.
فالله سبحانه يريد منّا الولاء دائماً، فإذا كنت تعتز بالله فأنت تُديم الولاء له باستمرار الصلاة، وأنت حين تسجد لله وتتذلل له، فإنّه سبحانه يزيدك عزةً ويكون معك دائماً، ويَقيك ذُلَّ الدنيا. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق