• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إنّها ذكرى الحرّية والحقّ

عمار كاظم

إنّها ذكرى الحرّية والحقّ

عاشوراء هي ذكرى الحياة الحرّة العزيزة الكريمة.. ذكرى الحرّية التي لا تعني سوى الحياة، فلا قيمة للحياة بلا حرّية.. وهكذا وجد الناس في ذكرى الحسين أعلى المثل يرفض العبودية، أعظم رمز ينادي بالحرّية.. فاتجهوا نحو الذكرى ونحو صاحبها ينهلون من فيض قيمها الزاخرة، ويتزوّدون مع معين دروسها الذي لا ينضب، يشبعون منها حاجاتهم النفسية من التطلع إلى الحرّية، إلى التضحية والفداء. وتبقى هذه الذكرى مثلاً لصراع الحقّ مع الباطل على مَرّ الأجيال.. وذكرى الشهادة – من الشهود – وهي الحضور الدائم في ميدان المعركة، بين الحقّ والباطل، بين الالتزام والانحراف، بين الاستقامة والتحدّي، بين الشجاعة والجبن.. وما دامت هذه الساحة ملتهبة في كلّ زمن وأرض، فللشهيد – أي شهيد – حضور مجلجل ودائم فيها. إنّ أحداث الكون تتغير ولكن مبادئ الكون لا تتغير وانما تتبلور فالإنسان يموت والبناء ينهار والنهار ينتهي.. ولكن الصدق والعدل والأمانة.. تتبلور مفاهيمها ومصاديقها ولا تتغير، فالصدق لا ينتهي.. والعدل لا يموت.. والأمانة لا تندثر.. والأحداث تتغير لأنّها طارئة بمواصفاتها الفردية والمحدودة بالزمان والمكان، والمبادئ لا تتغير بمواصفاتها العامة غير المحدودة بالزمان والمكان، فإذا تجسد مبدء في حدث حتى ذوق مواصفاته الفردية، يكون ذلك الحدث مستمراً يتبلور ولا يتغير، لأنّه تلاشى في المبدأ ذاته.

كيف إذن لا تمرّ ذكرى عاشوراء إلّا وترى الناس.. كلّ الناس.. وترى الجميع بلا استثناء، يهرعون إلى المآتم والحسينيات للاستماع إلى الخطباء وهم يتحدثون عن الحسين، وثورته الطلائعية، وشهادته البطولية، وليخرجوا بعد ذلك في مواكب ومسيرات تخليداً لذكراه، حتى لكأنّ الحسين موجود في كلّ شارع، بل في كلّ زقاق وزاوية؟

ألم يُقتل الحسين (ع)؟

كيف إذن انتشرت مئات المراكز في عشرات البلدان باسم الحسين، يؤمّها الناس في كلّ المناسبات، ابتداءً من مناسبات الألم، وانتهاءً بمناسبات الفرح؟.. كيف إذن لا تمرّ الذكرى إلّا وكأنّها حدثت أمس.. فتتجه القلوب نحوها بشغف، تلتمس دفء التضحية والفداء؟.

ليس عجباً، فالقضية التي استشهد من أجلها الحسين (ع) وأصحابه الثوار كانت خالصة مخلصة لله للإنسان المعذب من أجل الحقّ الضائع والحرّية المسلوبة والعدل المفقود، كانت من أجل خير البشرية جمعاء، حتى من أجل أولئك الذين قتلوا وذبحوه! كانت كذلك لأنّها كانت نابعة من أصالة الفكر الرسالي، فالثورة التي تكون لله وللإنسان تبقى أبد الدهر، وتستمر وتمتد، وتبقى الكلمات الإيمانية التي خرجت من أفواه الشهداء لتصبح مشعلاً ودرباً لمن يريد مواصلة الطريق.

أوليس الله يقول: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"؟

ألم يقل رسول الإنسانية: "ما كان لله ينمو"؟

حقاً لقد كانت عاشوراء تمثل أصالة الأُمّة، الأُمّة التي قادها الرسول، الأُمّة التي كانت خير أُمّة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهو ما بينه الحسين (ع) كهدف لثورته الخالدة حينما قال: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي عليّ بن أبي طالب". وقد مثلت عاشوراء أيضاً الخط الثوري الأصيل، الخط الذي سلكه الرسول (ص) ثمّ سلكه من بعده عليّ (ع) والطلائع المؤمنة أمثال عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وحجر بن عدي ومصعب بن عمير ومالك الأشتر – رضي الله عنهم أجمعين –. إنّه بحقّ الخط الثوري الذي لا يقبل الاستسلام ولا التهاون الذي سلكه أولئك الرجال الأفذاذ، وترك كلّ منهم لنا تراثاً ضخماً من المواقف يشكل كلّ منها نقطة مضيئة في صفحات التأريخ.

ارسال التعليق

Top