◄هل العبادة خاصّة بالإنسان، والإنسان فقط هو الذي يعبد الله – والمقصود طبعاً بعض الناس لا أجمعهم –؟ طبعاً لا، العبادة التي يؤدّيها بعض الناس ولا يؤدّيها البعض الآخر هي العبادة الشعورية، أمّا العبادة اللاشعورية فالجميع يؤدّونها، بل هي العبادة الحقيقية الشائعة في جميع موجودات الكون، وليس ثمّة موجود لا يعبد الحقّ تعالى.
كلّ الموجود يسير على طريق محبّة الله. وحتى النبات ما لديه من شيء سوى حبّه. وحتى الحجر الذي يتحرك بقوّة الجاذبية هو في الحقيقة ليس بشيء سوى أنّه يبحث عن الله، وحب الله في ذاته. وعند هذا تتّخذ آيات من قبيل:
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء/ 44).
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 83).
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) (النحل/ 49).
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) (الجمعة/ 1).
(سَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) (الحشر/ 1 – الصف/ 1).
معنىً عاماً ويتسع نطاقها. بمعنى أنّ القرآن يقدّم لنا نظرة كونية واسعة. وللشعراء من ذوي الاتجاه العرفاني أشعاراً في هذا الباب، مثل قول الشاعر "نظامي".
أتعلم لماذا يدور سائحو *** الأفلاك حول مركز الأرض
تنمية مشاعر العبادة:
تُظهر تعاليم الدين الإسلامي أنّ هذه الشريعة الإلهية المقدّسة تولي اهتماماً فائقاً لجميع أبعاد الإنسان الجسمية والروحية، والمادية والمعنوية، والفكرية والعاطفية، والفردية والاجتماعية. ولم تهمل أيّاً منها، بل منحت رعاية خاصّة لتربيتها جميعاً وفق أساس معيّن.
اهتمّ الإسلام إلى حدّ بعيد بتنمية العقل والفكر وكسب الاستقلال الفكري وكافح جميع ما يتنافى مع استقلال العقل من قبيل تقليد الأسلاف الأكابر، والانقياد لرأي الأكثرية وما شابه ذلك.
وتمثل تربية الإرادة، وترويض النفس، والتحرّر المعنوي من سلطان الأهواء بُنية الكثير من العبادات والأحكام الإسلامية. كما ركّز الإسلام على تنمية مشاعر طلب الحقيقة وكسب العلم وتهذيب العواطف الأخلاقية، وتربية حسّ الجمال، وحوافز العبودية.
إذن من جملة الأُمور التي يتعيّن علينا الاهتمام بها حقّاً وترسيخها في ذواتنا ولدى أولادنا هي مشاعر العبودية بمعناها الواقعي. فليست العبادة مجرد أربع ركعات يؤدّيها فينحني ويعتدل أربع مرات باسم الصلاة وهو لا يعي جوهر هذه الممارسة، ولا يفهم أصلاً معنى اللذّة الروحية ولا مغزى المناجاة والدعاء والتضرّع، ولا يدرك معنى الانقطاع إلى الله بما يعنيه من لحظات تمرّ على المرء، ولا يخطر خلالها على ذهنه شيء سوى الله تعالى. وليس العبادة مجرّد أن يصوم فم المرء خلال شهر رمضان من الصباح وحتى الغروب.
إذن يجب قطعاً تربية هذا الشعور في ذاتنا لنحقّق فيها أحد أركان التربية الإسلامية.►
المصدر: كتاب الروح والنور في القرآن الكريم
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق