• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطفل والقراءة الإبداعية

الطفل والقراءة الإبداعية

تمثِّل القراءة وتنمية ميولها لدى الأطفال، خلق اتجاهات إيجابية نحوها ونحو مختلف المواد المقروءة، وعلى وجه الخصوص نحو الكتاب والمجلة والجريدة، مطلباً تربوياً وثقافياً نظراً لما يتسم به عالم اليوم من انفجار معرفي سريع ومتغير لم يعد التعليم الرسمي كافياً لملاحقته. ومن ثم فقد صارت التربية الذاتية والتعليم الذاتي والتثقيف الذاتي توجّهات أساسية تمكِّن الأطفال والمراهقين من الاستمرار في تثقيف أنفسهم وتعليمها. وتنمية مهارات القراءة والميل نحوها والاتجاهات الإيجابية نحو الكتاب من أبرز مقومات لجوء الشخص نحو التثقيف الذاتي المستمر.

ويعدّ ميدان تعلم القراءة من أهم ميادين التعليم إن لم يكن أهمها على الإطلاق. ذلك أنّ القراءة وسيلة الإنسان في كسبه المعرفة والمعلومات. وهي النافذة الواسعة التي يطل منها على ميادين المعرفة المختلفة. ولهذا لقيت القراءة اهتماماً يفوق الاهتمام الذي لقيه أي موضوع آخر من موضوعات التربية، سواء في مصر أو الولايات المتحدة الأمريكية أو في غيرهما من المجتمعات المتعلّمة.

وغالباً ما يحكم على مدى نجاح المعلمين والمدراس من قدرتهم على تعليم الأطفال القراءة، وقد اتفق على أنّ القدرة على القراءة الجيّدة هي أساس النجاح في المدرسة وفي الحياة اللاحقة؛ لأنّ النجاح في المواد الدراسية الأخرى، وتخلُّفه في القراءة يترتّب عليه تخلُّفه في غيرها من المواد، ومن هنا كان للقراءة الأهمية الخاصة.

وكثيراً ما تساءل المربّون والباحثون في مجال التربية وعلم النفس عن السن المثلى التي يكون فيها الطفل مستعداً عقلياً وجسدياً لتعلُّم القراءة، وكانت القضية الأساسية محاولة معرفة هل كان من الضروري تدريس هذه المهارة للأطفال قبل الدخول إلى مرحلة التعليم الابتدائي بفترة طويلة أو في بدايتها.

ومن الواضح أنّ من أهم الأهداف التربوية والتعليمية في الوقت الراهن توجيه الأطفال إلى الكُتب، والتقريب بين الطفل والكتاب حتى تنشأ بين الأطفال من الصغير وبين الكُتب صلة دائمة واتجاهات إيجابية. ولذلك فلم تعد مهمة الوالدين والمعلمين قاصرة على تعليم الأطفال كيف يقرأون، وإنما الأهم من ذلك جذبهم إلى القراءة، وتحبيبهم فيها وتعويدهم عليها وغرس عادة القراءة لديهم منذ الصغر.

وقد دللت الدراسات الحديثة التي أُجريت حول قراءات الأطفال وميولهم القرائية واتجاهاتهم الإيجابية نحو القراءة والمواد المقروءة، على الدور الحيوي والمحوري الذي تلعبه الأسرة في خلق الاتجاهات الإيجابية نحو القراءة والمواد المقروءة والميل لها ترتبط جمعيها ارتباطاً وثيقاً بكافة الجوانب المعرفية والثقافية التي تحيط بالطفل سواء في المنزل أو بدار الحضانة أو المدرسة.

وبعد التطوُّر والتقدُّم الكبير الذي أحرزه علم النفس بشكل عام، وعلم نفس الطفل على وجه الخصوص، خلال النصف الأخير من القرن المنصرم على الأقل، أصبح من الهام والضروري -وربما من الحتمي- أن يتعرّف كلّ مَن يتعامل مع الطفل الصغير ويحاول تعليمه أو تثقيفه والتأثير عليه أو حتى الترفيه والترويح عنه بنجاح وفاعلية، على أهم التوجهات والأسس والمبادئ التي يجب مراعاتها عند التوجه له. بالإضافة إلى ذلك أصبح من الضروي كذلك أن يتعرّف جميع هؤلاء على معايير النمو النفسي للأطفال في مختلف جوانبه (الجسمية والعقلية واللغوية والانفعالية والاجتماعية وغيرها) وعلى الخصائص المميزة لهم عند مختلف المراحل والأعمار.

ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ إعداد جميع المواد التعليمية والثقافية والترفيهية التي تقدّم للأطفال اعتماداً على المعلومات السيكولوجية السابقة ومخاطبتهم والتوجّه لهم بمواد مناسبة لمراحل نموّهم وملائمة لميولهم وحاجاتهم، ولما يتوافر لديهم من عمليات عقلية وقدرات لغوية، يمكّن مَن يتوجَّهون للأطفال من الوصول لهم دون عناء، ويحبِّب الأطفال في المواد المقدَّمة لهم، ويجعل استفادتهم منها استفادة حقيقية وباقية.

ونظراً لأنّ الكتاب الذي يقدَّم للأطفال سن ما قبل المدرسة، هو أول لقاء للطفل مع الأدب والفن والعلم، فهو يستطيع أن يلعب دوراً هاماً في تقديم الخبرات الأولى للقراءة والتذوُّق الفني والجمالي للطفل، بالإضافة إلى ذلك فالكتاب المقدّم للطفل عند هذه المرحلة العمرية يمكن أن يكون أداة هامة من أدوات الترفيه والتثقيف التي يمكن -لو أحسن إعدادها – أن تساهم مساهمة فعّالة في تفتُّح عقل الطفل الصغير على العالم، وتنمية الميول القرائية لديه وجعله ينظر للكتاب بشكل عام على أنّه شيء محبب قادر على تسليته وإمتاعه وإفادته.

نتيجةً لذلك فمن أولى الأمور وأهمها أن تراعى عند إعداد هذه الكُتب -الكُتب الأولى في حياة الطفل- اختيار موضوعاتها وموادها والرسوم بها وإخراجها، محددات نمو الأطفال في مختلف جوانبهم، وأن تحقق هذه الكُتب الحاجات النفسية والأساسية للأطفال عند هذه الأعمار، وتتوافق مع ميولهم ومستوى نموّهم اللغوي والعقلي.

وبسبب التقدّم والتطوّر التكنولوجي والعلمي المعاصر الذي وقع في إعداد وإخراج وتصميم كُتب الأطفال بشكل عام وكُتب الأطفال سن ما قبل المدرسة على وجه الخصوص، وهو التطوُّر الذي أدّى إلى ظهور الأنواع جديدة تماماً من الكُتب لم تكن معروفة قبل ذلك. أصبحت تتوفر اليوم العديد من الأنواع المختلفة ذات المستوى المتميز والراقي من كُتب الأطفال ولعبهم، عند مختلف مراحل نموهم.

ومن النتائج المهمة التي توصلت إليها الدراسات والبحوث في هذا المجال أنّ استعداد الطفل للقراءة لا يعتمد على عامل واحد فقط، وإنما على عوامل كثيرة متداخلة ومتشابكة منها: النضج العقلي والإدراكي، والخبرة الشخصية، والتمييز السمعي والبصري، والنضج اللغوي، والنضج الحسي، والصحّة والخلو من الاضطرابات العصبية، والاهتمام والرغبة في القراءة، والنضج الاجتماعي والانفعالي.

ولكن هناك افتراضاً سائداً وسط التربويين، هو أنّ النضج الإدراكي والعقلي الضروري لتعلم القراءة يتحقق في مرحلة متأخرة من الطفولة، وأنّ الأطفال الذين يتعلمون قبل المدرسة قليلو العدد وعادةً ما يكونون من الأذكياء، ومعظمهم من البنات، وينتمون إلى آباء مثقفين لا يألون جهداً في توفير المادة القرائية المناسبة التي تجعل اللغة غنية كما وكيفاً.

 

المصدر: كتاب أطفالنا.. وتربية عصرية للـ د. بركات محمد مراد

ارسال التعليق

Top