فاطمة الزَّهراء (ع)، هي مظهرٌ حيّ لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) في كلِّ كلماتها وأعمالها، وفي زهدها وعبادتها، وفي أخلاقها ومشاعرها، وفي إيمانها وتقواها، فقد فتحت عينيها على قصة الرسالة الإسلامية، وهي تدعو الإنسانية إلى السير في طريق الله. كانت الزهراء (ع) مع أبيها (ص) في كلّ موقف، تحسّ بحزنه على قومه فتتألّم، وتستمع إلى ابتهالاته في جوف الليل، وهو يسأل ربّه الغفران لقومه لأنّهم لم يطّلعوا على الجانب المشرق من الدعوة، في دعاء خاشع رحيم: «اللّهمَّ اغفِر لقومي فإنّهم لا يَعلمون»، فتخشع لروعة الدعاء وروحيّة الدعوة. لذلك أحسّت بمسؤولياتها تجاه أبيها، وهو ينهض بعبء قيادة الدعوة الجديدة إلى النصر، فمضت تعطيه كلَّ ما تملك من حنان الأُمومة والنبوّة، وترعى حياتها بروحها وقلبها ومشاعرها الرقيقة الفياضة، حتّى انطلقت كلمة النبي (ص) لتخلّد لها هذا الحنان، ولتمجد هذه العاطفة، فتعطيها كُنية مميزة على مدى إحساس النبي (ص) بروعة هذا الحنان، فكان يقول عنها إّنها «أُمّ أبيها».
ودرجت الزهراء (ع) في مرابع الوحي ومشارق الرسالة، تتغذى بالإيمان المتدفق من روح أبيها (ص)، وتحتضن في قلبها وروحها خطوات الوحي وآياته، حتّى لتفيض روحها بروحانيته إشراقاً وصفاءً، وتتلمّس أخلاق النبوّة وقيمتها في أخلاق النبي (ص) وصفائه. فتنطبع بطابعها الأصيل في وعي وأصالة.. وشهدت قصة الهجرة، في هجرة أبيها إلى المدينة، ليضع قواعد المجتمع الإسلامي الجديد، وفي تضحية ابن عمها علي (ع) المنقطعة النظير في مبيته على فراش النبي (ص)، غير عابئ بالخطر المحقّق المحدق به، وبدأت في المدينة حياةً جديدةً تختلف عن كلِّ ما عاشته في مكّة، فقد بدأ المجتمع الجديد ينفتح على تعاليم القرآن وآياته في إقبال منقطع النظير.
كانت الزهراء (ع) منسجمةً كل الانسجام روحيّاً وعاطفيّاً مع الخط الإسلامي الأصيل الذي انطلق في الحياة من خلال تعاليم النبي (ص)، فلم تستسلم إلى صلتها الوثيقة بالنبي (ص) وتسكن إلى هذا الشرف العظيم. كانت تريد أن تكون ابنة محمّد (ص) روحاً وأخلاقاً وتقوىً وعبادةً وصلةً بالله وانسجاماً مع تعاليمه، قبل أن تكون ابنة محمّد (ص) جسداً وقرابةً.
كانت تريد لأبيها (ص) أن يجد في بيتها المتواضع زهد الرسالة، وروحانيّة الإيمان، وبساطة العيش، وقناعة النفس، وصفاء الروح، كمَثَلٍ حيٍّ للبيت المسلم الذي يعيش الأجواء الإسلامية، ويتنفّس في جوٍّ إسلاميٍّ خالص، وهكذا انطلقت لتكون مَثَلاً أعلى للمرأة المسلمة، في قداستها وطهرها، وعبادتها المنقطعة النظير.
هذه بعضٌ من سيرة فاطمة الزهراء عليها السلام، التي انطلقت في مرتبة القداسة بعلمها وعبادتها وإخلاصها ورعايتها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وارتفعت إلى مرتبة العصمة، لا تدنّسها الآثام، ولا تعلق بها الذنوب، تاركةً لنا المَثَل الأعلى للمرأة التي عاشت حياتها من أجل الله، وفارقت عيناها الحياة وهي تلهج بذكر الله.
إنّ خلاصة حياة هذه الإنسانة فاطمة (ع)، هي في أنّها لم تعش لنفسها لحظة واحدة، وإنّما عاشت لأبيها رسول الله، ولزوجها وليّ الله، ولولديها اللّذين هما إمامان إن قاما وإن قعدا، ولم تعش لهم قرابةً فقط، ولكنّها عاشت لهم رسالة، ولذلك كانت الرسالة تجري معها وتسير معها، وكانت تطلّ على الناس كلهم لتفكّر بآلام الناس قبل أن تفكّر بآلام نفسها. وهكذا كانت ابنة رسول الله في رسالته، كما هي ابنة رسول الله في نسبه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق