◄خُلق الإنسان ليصل إلى السعادة والكمال الذي لا حداه، إلى لقاء الله عزّ وجلّ، (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6). والطريق الوحيد الذي يضمن للإنسان هذا الهدف السامي والشريف هو الطاعة والعبودية التامة لله تعالى. فعن أمير المؤمنين(ع) يقول في عهده إلى مالك الأشتر: "هذا ما أمر به عبدالله علي أمير الممؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه... أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتاب من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها...".
فإذا كان ما عند الله لا يدرك إلا بطاعته، كانت الطاعة فاضلةً على ما سواها، وكان القرب منه تعالى متوقفاً على ما فرضه علينا من الطاعة والتسليم له كما جاء في الحديث القدسي: "ما تقرب إليّ عبد بمثل ما يتقرب إليّ بالفرائض"، فإن السؤال الجوهري والأساسي الذي ينبعي لنا الإجابة عنه هو كيف نطيع الله وبماذا؟ لقد أرسل الله تعالى إلى الناس شريعةً كاملةً وشاملةً تحتوي على كلّ احتياجاتهم ومتطلباتهم، وهي تتضمن أوامر الله تعالى ونواهيه في كلّ شأنٍ من شؤون هذه الحياة، ما ظهر منها وما بطن. وإن المبدأ الأساس الذي قامت عليه هذه الشريعة هو مصلحة الإنسان وسعادته. فكل ما جاء فيها إنما كان لمصلحة الإنسان وسعادته. وهي الدستور والقانون الذي ينبعي أن يطاع الله به. فإذا أرد الإنسان أن يكون عبداً صالحاً سالكاً نحو الله ورضوانه، ما عليه إلا أن يجتهد في اتباع هذه الشريعة بكل تفاصيلها بعد التعرف إليها وتعلم أحكامها، حلالها وحرامها، فيسعى بجد ونشاط لتطبيق هذه الأحكام حتى تسري في كلّ تفاصيل حياته، فتصبح أحكام الله تعالى هي الحاكمة في مملكة وجود الإنسان لا الأهواء النفسية الباطلة.
فطريق الجنة هو طريق الطاعة والتقوى لله، وهذه الطاعة إنما تتجلى من خلال الالتزام بشريعة الله (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (مريم/ 63). أما لو استكبر الإنسان وعصى فترك عبادة الله، فإن جهنم هي المثوى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60). فالعبد الحقيقي هو الذي يرجع إلى الشريعة قبل اتخاد أي موقف، علماً منه بأنها تمثل إرادة الله، ومن لا يسلك طريق العبودية، فإنه يسرع إلى اتخاد الموقف والقيام بالعمل من نفسه. وهذا هو السبب الأساسي في هلاك الإنسان، أي رجوعه إلى نفسه بدل الرجوع إلى ربه لمعرفة الحلال والحرام منه وما فيه مصلحته وخيره.
والشريعة الإلهبة تنقسم إلى خمسة أحكام أساسية هي:
الحرام: وهو الذي يعاقب الإنسان على فعله.
الواجب: هو الذي يعاقب الإنسان على تركه.
المكروه: وهو الذي يثاب الإنسان على تركه ولا يعاقب على فعله.
المستحب: وهو الذي يثاب الإنسان على فعله ولا يعاقب على تركه.
المباح: وهو الحكم الذي يفسح فيه الشارع المجال للمكلف ليختار الموقف الذي يريده.
فالعبد الحقيقي لا يبيح لنفسه شيئاً إلا بعد عرضه على الأحكام الشرعية الأربعة، فإن لم يجده محرماً أو واجباً أو مستحباً أو مكروهاً يحكم بأنه مباح ويتصرف وفقه، لأن الله تعالى قد فوض إليه في هذه الحالة التصرف في هذا الشيء. وفي الواقع المتصرف هنا أيضاً هو إرادة الله التشريعية، وليس إرادة العبد واختياره، لأن الله تعالى هو الذي أباح هذا الأمر. وعليه لكي يصبح الإنسان من السالكين لدرب الحقّ عليه:
أولاً: التعرف إلى شريعة الله من خلال تعلم الأحكام الشرعية.
ثانياَ: العمل على تطبيق هذه الأحكام في حياته. ►
المصدر: كتاب دروس في التربية الأخلاقية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق