انّ هناك روحاً اسلامياً يشعر بها كلّ من سمع بالحسين (عليه السلام) وعاش حركته وتعمَّق بثورته، بحيث يجد حركّية الاسلام في تلك الحركة، وفاعليته ومسؤوليته وامكانية ان يبقى ليمدّ كلَّ جيل اسلامي بالجديد ممّا يمكن ان يحقِّق له الأهداف الكبيرة في الحياة. فالاسلام ليس مجرد فكر نختزنه في عقولنا، وليست مجرد كلمات نردّدها على ألسنتنا؛ ولكنّه يمثِّل بالاضافة الى ذلك حركة في مسؤولية الحياة. والذي يعيش مسؤوليته هو الذي ينسى ذاته ويفكِّر أنّ علاقاته بالناس وبالأحداث، بل وحتى علاقاته بأهله الأقربين، تتحرّك سلباً أو ايجاباً في خطّ المسؤولية. وهذا ما عشناه في ما حدَّثنا الله سبحانه وتعالى عن النبي نوح (عليه السلام) عندما قال: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ اِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَاِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ اِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ اِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود/ 45-46). انّ من كان قريباً لرسالتك فهو أقرب الناس اليك، وأبعد الناس عنك هو من كان بعيداً عن رسالتك. هكذا يعيش الانسان المسؤول مسؤوليته بحيث تتدخل في عمق علاقاته، وفي كلِّ مواقع الحركة في الحياة؛ بحيث يتقدّم عندما يجد أنّ مصلحة مسؤوليته الرسالية في ان يتقدّم حتى لو كانت الأخطار تواجهه، ويتأخّر عندما يرى أنّ المصلحة هي في ان يتأخّر حتى لو رماه الناس بالضعف والجبن.
انّ هناك من يفكِّر بأنّ قصة الجهاد انتهت باستشهاد الحسين (عليه السلام). المسألة أنّ لك الحقّ في ان تدفع العدوان عن نفسك، واذا دفعتَ العدوان عن نفسك فلست معتدياً (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 194). نحن مع السلام، ولكن السلام الذي لا يأكل حريتنا، ولا يضطهد عدالتنا، ولا يخنق انسانيتنا. وبعد مرور قرون طويلة على ثورة الامام الحسين (عليه السلام)؟ ماذا يعني اثارة تلك القضية؟ انّه يعني أننا لا نزال (نلتزمه) في حين نجد بعض الناس يقولون: لا نزال (نحبّه). ولكني لا أريد ان أتوقف عند هذه الكلمة فعلينا ان نضيف الى كلمة (الحب) كلمة الموالاة، وهناك فرق بين ان تحب أهل البيت، وأن تواليهم. أو أنّ تتعصَّب لأهل البيت، وأن تلتزمهم. فالحب يمثِّل حالةً عاطفيةً، فيما يفرض عليك ولاء أهل البيت ان يكون الله وليّك. من هم أولياء الله؟ انهم ليسوا أولياءنا بأشخاصهم، ولكنّهم أولياؤنا برسالتهم، وبحبهم لله (سبحانه وتعالى)؛ (اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/ 55). ومعنى ان تكون ولياً لله، ان تكون مخلصاً لله بقدر ما كان أهل البيت (عليهم السلام) مخلصين له، وتتحرَّك في خط الله بقدر ما كان أهل البيت (عليهم السلام) متحركين في خطه. انّ الحب وحده لا يكفي فيما الولاية تعني الالتزام بالموقف، والموقف فكرٌ تلتزمه وعاطفةٌ تعيشها وخطواتٌ تتحرَّك فيها... أجل: فما معنى ان تحب أهل البيت (عليهم السلام)، وأنت تلتزم خطاً غير خطهم، ونهجاً غير نهجهم، وفكراً غير فكرهم، وهدفاً غير هدفهم... لقد وقف أكثر المسلمين يومئذٍ بين المبادئ وبين العاطفة، بين الفكرة غير المستقرة وبين المال والجاه. وفضلوا المال والجاه على الفكرة، وعلى العاطفة. هذه تجربة عاشها الناس بالماضي. واذا أردنا اثارة مسألة الامام الحسين (عليه السلام)، فلا نستغرب كيف قُتِل الامام الحسين (عليه السلام)؟ وكيف قُتل أخوه العباس (عليه السلام)، وكيف قُتِلَ ولده عليّ الأكبر؟! هذه مسألة يمكن لنا ان نعيشها، لكن لنحدِّق بأنفسنا من خلال كربلاء، فلو كنّا في ساحة كربلاء، فهل تكون شخصيتنا شخصية عمر بن سعد أو شخصية الحر بن يزيد الرياحي؟ انّ استيعاب الاجابة عن تلك التساؤلات انما تكون من خلال الموقف.. مع من؟ وفي أي خط؟ لو جاء الحسين (عليه السلام) وليس معه الا القلة، وجاء عمر بن سعد ومعه الرجال والسلاح والمال، ودارت أنظارهم بين الحسين (عليه السلام) وبين خصومه؛ فهل يمكن القطع بالوقوف الى جانب الامام الحسين؟ انّ التزام قضية الامام الحسين (عليه السلام) تحمّلنا مسؤولية ان نقف حيث وقف، وأن نتحرَّك حيث تحرك. انّه كان يتحرك من أجل طلب الاصلاح في أُمّة جده، فهل نتحرّك في خط الاصلاح في أمة جده؟ الحسين (عليه السلام) كان يتحرك في خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنتحرك في هذا الخط. الحسين كان ينفتح على الله بكلِّ حياته، ويضحّي في سبيل الله بكلِّ حياته، فهل نحن كذلك؟ يجب ان لا نعتبر العظماء الذين نقدّسهم ونتقرَّب الى الله بهم أشخاصاً انتهوا الى صفحات التاريخ؛ بل يجب ان يستمروا اشراقات في كلِّ طرقنا المظلمة: (اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/ 33)، وأهل البيت يحتاجون الى أتباع أطهار يعيشون طهر أهل البيت الفكري في طهرهم الفكري، وطهر أهل البيت العاطفي في طهرهم العاطفي، ويعيشون طهر أهل البيت الحركي في طهرهم الحركي... انّه الطريق الذي يتّبع الحقّ، وينتهي بالجنّة. ولكن كيف نوظِّف عاطفتنا نحو كربلاء باتجاه قضايانا المعاصرة؟ .
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق