• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تزكية النفوس وتهذيبها

تزكية النفوس وتهذيبها
◄"وأن نَتَقرَّب إليكَ فيه من الأعمال الزّاكيةِ، بما تُطَهِّرُنا به من الذُّنوب".

من الأهداف التي ينبّه إليها الإمام زين العابدين (ع) في شهر رمضان المبارك هو أن يكون لأهل الإيمان وقت مخصّص للدعاء والذكر ليتمكّنوا فيه من الاستغفار والتوبة والإنابة، واستشعار الندم والخسارة فيما مضى من العمر الذي عصي الله فيه، وأن يذكروا الله فيه حقّ ذكره ويبتهلوا إليه في هذا الشهر الفضيل.

وهذا الوقت يمكن أن يكون في الليل أو النهار إلّا أنّ الساعات المباركة كأوقات الصلاة وأوقات البرّ والطاعة يعظم فيها الثواب والأجر، فهي الساعات التي تتحرّر فيها النفس من قيودها وتنفتح على الله بإقبال وخشوع وتضرّع، ولعلّ أفضل هذه الأوقات هو وقت السحر وخاصة في الثلث الأخير منه والذي كثرت فيه الآيات والروايات التي تبيّن فضله وأثره في تربية روح المؤمن.

قال الله تعالى في كتابه: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات/ 17-18).

(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة/ 16).

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) (آل عمران/ 17).

(يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران/ 113).

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114).

وعن أمير المؤمنين (ع) قال في مدح المتسحّرين:

"طوبى لنفسٍ أدَّت إلى ربِّها فرضها (أي ما أوجبه عليها من الفرائض، وعرَكَت بجنبها بُؤسَها (أي تصارعت مع ذاتها في دفع ما وصلت إليه من حالة مزرية في علاقتها مع الله)، وهَجَرَت في اللَّيل غُمضَها (أي لم تترك لعيونها أن تنام جميع الليل)، حتى إذا غَلَبَ الكرى عليها افترَشَت أرضها، وتوسَّدت كفَّها، في معشَرٍ أسهَرَ عُيونَهُم خوفُ معادِهِم (أي إذا غلب عليها النوم ولم تستطع مقاومته فإنّها تنام على الأرض متوسّدة كفّيها لأجل أن يكون نومها قليلاً لتستيقظ بعده وتستأنف عبادتها ودعائها)، وتجافَت عن مضاجِعِهِم جُنوبُهُم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله ألّا إنّ حزب الله هم المفلحون".

وفي حديث آخر قال (ع): "فاتقوا الله عباد الله تقيّة ذي لُبٍّ، شغل التفكُّرُ قلبه، وأنصب الخوف بدنَهُ، وأسهر التهجُّد غرار نومه".

وقال (ع) في أحاديث أخرى قصيرة الكلمات عظيمة المعاني عن الأثر التربوي للسهر في طاعة الله ومناجاته واستغفاره فقال:

·      "السهر روضة المُشتاقين" (أي جنّة المستأنسين بالله والمشتاقين إلى نعيمه وجنانه).

·      "سَهَرُ الليل بذكر الله غنيمة الأولياء وسجيّة الأتقياء".

·      "سهرُ الليل شعار المتقين وشيمَةُ المُشتاقين" (أي إنّ غالبية المتقين والصالحين هم من أهل القيام والتهجّد في الليل).

·      "أفضل العبادة سَهَرُ العيون بذكر الله سبحانَهُ".

وبشكل عام ينبغي للإنسان أن يروّض ذاته لتكون خاشعة لله، ذاكرة له، مخلصة متوجهة إلى رضاه في جميع الأوقات والأعمال والحالات، وهي حالة أولياء الله والتي قد لا يصلها الإنسان خلال شهر واحد ولكنها خير بداية لأن يجعل المؤمن من شهر رمضان مناسبة يختصر فيه الزمان والمسافة للوصول إلى الله تعالى بعد أن فتح الله أبواب الرحمة على مصاريعها في هذا الشهر.

عن رسول الله (ص) قال: "إنّ لربِّكم في أيّام دهرِكُم نَفَحاتٍ، فتعرَّضوا لها لعلَّهُ أن يصيبَكُم نفحةٌ منها فلا تشقون بعدها أبدا".

وفي حديث آخر قال (ص): "أُطلبوا الخير دهركم كُلَّه، وتعرَّضوا لنفحات الله، فإنّ لله نفحاتٍ من رحمتِهِ يصيبُ بها مَن يشاءُ من عباده".

وهذا الشهر رحمة عظمى من الله قد لا تتكرر على الإنسان مرة أخرى حيث قد يسبق إليه الأجل قبل حلول رمضان آخر فينبغي أن يستفيد من كلّ ساعة منه عسى أن يختم له بحسن العاقبة ويكون من السعداء.

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران/ 185).►

ارسال التعليق

Top