الزهراءُ (عليها السلام) هي القدوةُ في كلِّ شيء، الإنسانة الكاملة، الأصدق والأعبد. كانت تقول (عليها السلام): «الجار ثمّ الدار»، وكانت العظيمة التي أحبت الله وأحبت رسول الله وأعطته عقلاً وقلباً حتى قال عنها (أم أبيها) ورعت عليّاً (عليه السلام) فأعطته بيتاً إسلامياً فريداً كأفضل ما يكون البيت الإسلامي النموذجي. كانت (عليها السلام) الإنسان الأحب للمسلمين جميعاً بحيث لا يعلو عنها في محبّة المسلمين إلّا محبتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا غرابة أن يلتقي المسلمون جميعاً – منذ ذلك الوقت حتى الآن – على محبتها. فالزهراء (عليها السلام) هي بضعة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربيته التي أهّلتها إلى أن تكون في موقع السيادة على نساء العالمين، والمثل الأعلى لكلّ فتاة مسلمة كانت أو غير مسلمة. لقد كانت قدوة في برّها بأبيها وقدوة في عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها وقدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها.
أمّا بالنسبة إلى عبادتها (عليها السلام)، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): «رأيت أُمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم وتكثر لهم من الدُّعاء ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثمّ الدار». كانت السيدة الزهراء (علیها السلام) تعيش النشاط الرسالي، وكانت تُعلّم نساء المهاجرين والأنصار، وكانت المجاهدة التي تقف وتخطب في المسلمين دفاعاً عن الحقّ. وورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية أنّها: «سيدة نساء أهل الجنّة»، وفي رواية أنّها «سيدة نساء العالمين»، وفي رواية ثالثة أنّها «سيدة نساء المؤمنين».
كانت (عليها السلام) أوّل امرأة تواجه القضايا التي اختلف فيها الناس بالمنطق، وبالموقف الصلب، وبالحوار، وبالدعوة إلى الحوار. لذلك فعندما ندرس شخصية الزهراء (عليها السلام) فإنّنا نجد أنّها تمثل في كثير مما عاشته ومما انطلقت فيه ومما دخلت فيه ساحات المواقف الشرعية والكثير من أساليب العمل النسائي في عصرنا هذا. لننطلق ولنأخذ من إيجابيات هذه المرأة العظيمة في حياتها الحركية حتى نستطيع أن نصل إلى مرحلة يتكامل فيها الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي فلا تكون المرأة كمية مهملة على هامش الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي. والله يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة/ 71). أولياء في التعاون وأولياء في النصرة وأولياء في التكامل (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71). وفي النظر إلى سيدة نساء العالمين على أنّها القدوة والمثل الأعلى لكلِّ النساء والرجال، فعندما نستعيد الزهراء (عليها السلام).. فإنّنا نستعيد ذكرى المرأة التي جسّدت أعلى مثل للمرأة المسلمة في مواقعها كلّها. من خلال ذلك كلّه نريد للمرأة كما للرجل أن يعيشوا روحانيتها ومسؤوليتها، وأن يعيشوا حركيتها، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فالمرأة إلى جانب الرجال، والمؤمنون إلى جانب المؤمنات يأمرون بالمعروف الذي ينطلق من خلال يد تتحدى، وكلمة تثور، ومن خلال قلب يرفض. أمرٌ بالمعروف العقيدي، والمعروف الشرعي، وأمرٌ بالمعروف الاجتماعي. هذه آفاق الزهراء (عليها السلام) مع الله، وتلك هي آفاقها مع الناس، وتلك هي حركتها في الحياة، لقد عاشت (عليها السلام) الآلام كأقسى ما تكون الآلام. وعاشت الاضطهاد كأقسى ما يكون الاضطهاد، وكانت الإنسانة التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيرا، كانت المعصومة في سلوكها، ولذلك لابدّ للمرأة المسلمة أن تجعل من الزهراء (عليها السلام) قدوتها في كلِّ منطلقاتها، وفي كلِّ حركتها، وفي كلِّ قيامها بالمسؤولية، وذلك هو الذي يعطينا المعنى الكبير في تأمّل ذكرى الزهراء (عليها السلام).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق