سواء كنت تسافر بغرض الإجازة والاسترخاء أو بسبب العمل، فإنّ السفر تجربة مميزة لها أهميّتها التي تتجاوز كسر الروتين والتعرُّف على أماكن جديدة واختبار الأوقات الممتعة. السفر والانغماس في ثقافة بلد معيّن والتعرُّف على عاداته وتقاليده سواء الاجتماعية أو الثقافية أو تلك التي تتعلق بالأعمال هام للغاية. كلّ بلد يملك مجموعة من العادات التي تميّزه عن غيره، ولكن في المقابل هناك بعض المهارات التي تتجاوز الحدود والجغرافيا والاختلافات، فهي عالمية وجامعة. في الواقع مفهوم السفر بحد ذاته وآلية التعامل معه ومقاربته يمكنه أن يعلّم الكثير عن الإدارة.
كلّ تجربة وكلّ معلومة جديدة يتمكّن الشخص من اكتسابها ستعلّمه أُموراً جديدة لم يكن يعرفها من قبل.
التعرُّف على الآخرين.. والبناء من هناك
العلاقات الفعّالة والمهارات المرتبطة بها تختلف بين ثقافة وأُخرى، وما يتم اعتباره وقحاً في مكان معين مقبول تماماً وربّما حتى مطلوب في ثقافات أُخرى. فهم المقاربات المختلفة لا يساعد فقط على إدارة الفرق المتعدّدة الجنسيات، وهي حالياً جزء من غالبية الشركات ولكنّها هامّة من أجل الشركة ككلّ. في بعض الحضارات مثلاً، هناك ضرورة ملحة لإمضاء بعض الوقت في نسج العلاقات التي لها علاقة بالأعمال قبل عرض الرغبة بالتعاون أو الاستثمار أو القيام بأي نوع من المشاريع المشتركة.
في المقابل هناك ثقافات أُخرى لا يهمها على الإطلاق بناء العلاقات بل تُفضّل «الدخول في الأعمال» مباشرة. أخذ الوقت لفهم كيف يتم ترجمة وتقبل الأفعال في ثقافات وحضارات مختلفة تساعد الشخص على التواصل مع الآخرين «بشكل عالمي» وذلك حين يقوم بتبني مختلف المهارات ووجهات النظر التي تعلمها.
في مكان العمل، الكلّ يعمل بطريقة مختلفة، فهناك الفئات الاجتماعية وتلك غير الاجتماعية، هناك الفئات التي تتعاون وفئات تُفضّل العمل بمفردها. ككقائد من الأهميّة بمكان أن يتم تخصيص الوقت الكافي لفهم آليات العمل المختلفة والاعتراف بأنّها على اختلافها ضرورية من أجل بناء فريق عمل ناجح. التجربة التي يحصل عليها أي شخص كان من السفر ومَن تعلّم أساليب ومهارات التواصل مع مختلف الحضارات تساعده على قيادة فريق عمله بتوقعات مختلفة تتناسب مع المهارات والتفضيلات. فهناك ذلك الموظف الذي يُفضّل أن تذهب إليه مباشرة وتتحدّث معه عمّا تريده منه، وهناك الموظف الذي يُفضّل أن ترسل ما تريده منه عبر البريد الإلكتروني.
كن حاضراً وفضولياً واستمع جيِّداً
الاستماع وبتركيز شديد من الأُمور الهامّة للغاية. الفروقات بين الحضارات والثقافات والعادات تتطلّب من الشخص الاستماع وباهتمام خصوصاً وأنّنا نعيش في عصر الكلّ يقوم بمهام متعدّدة في الوقت عينه لدرجة أنّ المحادثات الفعلية لا وجود لها.
القدرة على الاستماع ثمّ إعادة قول ما سمعته له تأثير كبير جدّاً. خلال السفر تجد نفسك وبشكل لا إرادي تستمع، خصوصاً حين تكون في مرحلة الاستكشاف فالمعلومات التي يتم قولها عن تاريخ هذا المكان أو ذاك يثير اهتمامك وحتى حين يصف لك النادل مكونات الطبق الغريب الذي ستتناوله للتو فأنت تستمع لكلّ كلمة يقولها.
الحشرية هي أفضل طريقة من أجل شحذ مهارات المحادثات ومن أجل توجيهها باتجاهات مختلفة لاكتشاف المواضيع الأعمق والأكثر أهميّة. الأمر يبدأ باهتمام صادق بالتعلُّم عن الآخر، وكما لعلّكم تعرفون البداية تكون بسؤال بنهاية مفتوحة يسمح للآخر قول كلّ ما يريد قوله ثمّ سؤال للاستفسار أكثر عمّا قاله. وفور كشفهم عن معلومات تعني لهم الكثير فإنّ العثور على أرضية مشتركة معهم يمكن بناء العلاقة حولها سهل.
بغض النظر عن المكان الذي تتواجد فيه في العالم، فإنّ تحوّلك إلى شخص يسعى إلى التعلُّم والمعرفة يمكنه أن يؤدِّي إلى فرص عديدة لتكوين علاقات مع الآخرين. هذه الأرضية المشتركة تسمح بالانتقال من نقطة إلى أُخرى وبالتالي تسير المحادثات بسلاسة.
النقاط هذه هامّة جدّاً في علاقة المدير مع أي زبون محتمل. فالقدرة على إيجاد الأرضية المشتركة حتى ولو كان هناك الكثير من الاهتمامات المختلفة تجعل من السهولة بمكان توجيه المحادثات نحو الهدف الذي يسعى المدير.
القيادة من خلال التماهي والإنسانية
خلال السفر ستجد نفسك تختبر ما أهملته بسبب هيمنة التكنولوجيا على حياتنا. السفر مازال «يرغم» الجميع على ترك أجهزتهم والانخراط في تجارب فعلية وجهاً لوجه مع الآخرين. هذا التفاعل يجب التمسك به ونقله إلى مكان العمل. صحيح أنّ جيل الألفية وجيل زد تربياً على التكنولوجيا ولكنّهما ليسا وحدهما مَن يعتمد وبقوّة على التكنولوجيا، فجميع الأجيال باتت تتواصل من خلالها لدرجة أنّ التواصل البشري الفعلي بات مهدداً.
التواصل وجهاً لوجه أو من خلال الفيديو لا يحسن التعامل فحسب ولكنّه يزيد من نسبة التركيز على المشروع الذي يعمل عليه الشخص مع فريقه.
نقطة أُخرى هامّة تتعلّمها خلال سفرك هي عدم إطلاق الأحكام وتصنيف الآخر وفق صور نمطية جاهزة.. وهذه المقاربة يمكنها أن تنفعك ككقائد لأنّك حالياً تعمل مع أجيال مختلفة بتطلّعات مختلفة ووجهات نظر تختلف كلّياً عن بعضها البعض وبالتالي ظلم فئة من خلال الصور النمطية لن يعود عليك بأي فائدة.
والأهم.. الاحترام
تجد نفسك خلال سفرك تحرص وبشكل كبير على إظهار احترامك لعادات البلاد وشعوبها وتقاليدها. كما أنّك تتحكم بنفسك لأقصى الدرجات كي لا يبدر عنك أي تصرُّف قد يصنف على أنّه تقليل من احترام عادات ما أو شخص ما. وكذلك الأمر في العمل، فكلّ ما يريده الآخر هو أن يتم احترامه. القيادة المثالية ترتبط بالاستماع للآخرين والتواصل معهم واحترامهم. لا أهميّة لسنهم ولا لخلفيتهم الثقافية فعندما يتم التعامل معهم باحترام مع تقبُّل كلّي لاختلافهم فهم سيقدّمون كلّ ما لديهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق