• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التقوى ميزان الكرامة

وليد كريم الناصري

التقوى ميزان الكرامة

◄القبيلة والعِرق والنشأة والجنسية والقومية، المال والجاه والجمال والتَّسيد والعبودية، كلّها دَثرها القرآن بخمس كلمات فقط: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).

حينما يأتي القرآن بمقياس التفاضل على أساس التقوى، ليؤسّس ويدعو إلى حضارة تُلغي الطبقات والفوارق في المجتمعات والشعوب، حتماً سيقودنا هذا المبدأ إلى التأكيد على معرفة ماهية التقوى؟ وكيف لها أن تكون مقياس أو قبان، تتوحّد على بيضته فوارق البشرية؟! بالرغم من تعدّد مسمياتها، واختلاف فكرها وأديانها ونشأتها وحضارتها..!

التقوى لغة: هي صيانة النفس من الوقوع في المحذور، وهذا ما يدعو الشعوب والمجتمعات، الى الاتفاق على التعريف بذلك المحذور، وهذا بدوره يُرجع النقاش حيث بداية الاختلاف.

تعدّد تعريف التقوى في الشريعة؛ على عدد الآراء والأفكار التي تستقرئها في الفكر، وتستنبطها من حيث النصوص، منهم مَن قال بأنّها: «حفظ النفس ممّا يؤثم! وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، تبعاً للشريعة والرسالة السماوية الحقّة».

عرّفها آخر: «أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله».

أجمل ما يوثق في التقوى تعريف الامام عليّ بن أبي طالب (ع) لها إذ يقول: «هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل»، أو يصفها بأبسط ما يجسدها في الواقع: «بأن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك».

لو تأمّلنا في الآية التي أشرنا لها سابقاً، سنجد حقيقة ملفتة للنظر، وهي كلمة (عِنْدَ اللهِ) هذا الكلمة تدل على شيئين:

أوّلاً: بأن تكون قرينة الكرامة، أو القيمة السامية، التي تقتل في الأنفُس شبح العُجب والافتخار والتكبر، وتذيب فوارق المجتمع، مع الله تعالى وحسب ما يراه، وهذا لا يعني بأن تكون واضحة المعالم في عالم الدُّنيا، بل على العكس من ذلك، فقد تكون تلك الكرامة، هي المبرة أو الشفاعة، التي تُطلق العنان لذلك المخلوق، بأن يصول ويجول في نِعَم الله حيث الخلود والجنّة التي لا تُفنى.

ثانياً: مادام شرط التقوى بأن تكون الكرامة عند الله، إذن هنا التقوى ستكون حيث ما يراها ويعرفها الله تعالى، ومن الملفت للنظر، بأنّ جميع الأديان والكُتُب السماوية وحتى النصوص الموضوعة منها، تتفق بنسبة كبيرة في تعريف التقوى.

نصل هنا إلى حقيقة تقول: إنّ القيمة الأساسية في حياة الإنسان هي «التقوى» التي تتيح درجة التنافس والتفاضل، وتتيح الالتزام بأوامر الله تعالى، وبالتالي تخلق إنسان سوي مستقيم، لا يحتاج إلى حسب أو نسب أو مال أو شكل يقوّمه أمام الله، مادام هو قادر على ذلك بنفسه وفعله وإيمانه وعقيدته.

مجتمعنا اليوم وللأسف، يحتاج إلى الواعز الأخلاقي والديني والتربوي التوعوي، الذي يحفّز بنا هرمونات وخلايا فكرية، تقاوم صراع القبلية والعشائرية والنزعة الطائفية، التي أكلت من جسد أبناءنا وشربت من دماءهم! وبذلك نخلق جوّ بعيد عن تلك الأفكار الموروثة من الفكر الجاهلي المتحجّر.

الفكر الذي يُقوّم ويدعم فكرة التفريق بين حقوق وواجبات الرجل والمرأة، الفكر الذي يُعطي لبعض العشائر حقوق الاقطاعية والتحكّم برقاب البسطاء، الفكر الذي لازال وإلى اليوم، يُمييز الإنسان حتى من حيث مهنته وعمله، الفكر الذي يُحطّم ويَختزل مباني التقوى وكرامتها، تحت مُسمى (العُرف والسنينة والعادة والتقاليد)، الفكر الذي إلى اللحظة يؤمّن بمبدأ عدم التزويج والاختلاط بين أسود البشرة والأبيض، بفحوى وجريرة اللون والعبودية والرق، الفكر الذي مازال يرى كرامة تزويج بعض النِّساء، من أبناء عمومتهن كرهاً! بفحوى القرابة وكرامة العشيرة أو المال.

وختاماً، أقول: «عباد الله اتقوا الله».

وعلى الجميع أن يفهم، ليُطبّق واجباته ويقف على حدّ حقوقه، ولا تكون تلك الأعراق والأنساب والمناصب والتقاليد، مُدعاة وعرضة لاختراق وتمزيق مباني نصوص القرآن، ورسالة الله في البشرية، فينهار مجتمعنا، وتقتلع ثوابتنا، من حيث معصية الله تعالى، وغضبه فينا.►

ارسال التعليق

Top