بالأمس، توفي أحد الوجهاء الخيريّن العاملين للإسلام في الكويت، وهو الحاج كاظم عبدالحسين (رحمه الله). طبعاً، هذا الإنسان نتحدَّث به الآن في الحوزة، لأنه فعلاً لبعض مَن عرفه في سيرته، هو ثقة المراجع، من السيّد الخوئي وما بعده.
كانت له علاقة وطيدة مع سماحة السيد فضل الله(رض)، وكان السيّد يعتبره أخاً له. وهو مؤسِّس حملة "التوحيد" الكويتية، هذه الحملة الّتي كانت تحمل الفكر والوعي في وقت مبكر جداً، وهو الذي تحرّك في خطّ كلّ الرموز الواعية الحركيّة الإسلاميّة التي تؤمن بالإسلام حركةً على الأرض.
فعليّاً، ما أريد أن أتوقّف عنده، هو حجّة علينا، وأيضاً عبرة لنا، وهو أنَّ هذا الإنسان مبكراً، كان يذهب إلى المناطق التي لا يذهب إليها أحد، فكان مع مَن معه، يعبرون الأنهار في أفريقيا، وهذه الأنهار فيها تماسيح وحيوانات متوحّشة، ليصلوا إلى الأماكن التي فيها الفقراء والمساكين والمحرومون الذين لا يصل إليهم أحد في هذا المجال، وباسم الإسلام.
طبعاً، يستحضر الإنسان في مثل هذه الشخصيّات قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى).
السابقون عادةً هم الذين يؤسِّسون، بمعنى يحرثون الأرض، ليأتي من بعدهم من يكمل الطريق ويجد الأرض سهلة... نعي ذلك جيِّداً، لأنّنا نعرف ما صنعه سماحة السيِّد(رض) في هذه الأرض وفي هذه الحالة. لذلك، عندما يأتي الإنسان ليكمل، يجد أنّ هناك شيئاً مهيّأً، هناك أرض محروثة، هناك بذار وأشجار وثمر على أكثر من صعيد.
الفكرة الأساسية أنّ جيل هؤلاء، هو الجيل الذي جاء وكلّ الدنيا ضدّه؛ التيارات ليست تيارات إسلاميّة، الخطوط الإسلامية غريبة، بمعنى أنّ الناس الذين يصلّون أو يجهرون بصلاة أمام الملأ قليلون... فكيف تتحدّث عن حركة إسلاميّة تريد أن تتحرّك على الأرض؟!
لذلك، فإنَّ جهد هؤلاء، في الزمن الذي عاشوا فيه حركة التّأسيس، هو جهدٌ يبقى لهم ذخراً وأجراً إلى كلّ الأجيال القادمة، وستبقى الأجيال تأكل من فتات ما تركوه، إذا صحّ التّعبير.
ما هو حجَّة علينا نحن كأناسٍ تعمل في خطّ الدعوة للإسلام، هو أن لا نشعر بأنَّ علينا أن نتحرَّك فقط في الخطوط السهلة، يعني إذا أراد الواحد منّا أن ينطلق إلى درس فيه موعظة دينيّة، فيسأل عادةً كم عدد مَن يحضر؟ فإذا كان المجلس مثلاً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، يعتبر الأمر غير مناسب، يجب أن يكون عنده على الأقلّ 500 شخص في القاعة ليحضر!
هذا الأمر لم يكن يفكّر فيه هذا الجيل الرّساليّ، سواء من كانوا يعملون في العمل الديني من حيث التخصُّص، أو الذين كانوا يعملون بالعمل الديني الإسلامي، كالحاج كاظم عبدالحسين، من الموقع الأهمّ، وهو موقع الشعور بالمسؤولية أنّ عنده طاقة معيّنة، أو فكراً معيّناً، ولو كان محدوداً بطاقة معيّنة، فهو ليس رجل دين؛ لكنّه كان يوازي في همّه وفي حركته الكثير من رجال الدين.
لذلك، أعتقد أنَّ ما هو حجّة علينا اليوم، وجود مثل هؤلاء الأشخاص، أن نشعر بأنّ ما قدَّموه، لا يترك لنا عذراً بين يدي الله عزّوجلّ... أن نشعر كما قال النبيّ(ص) لعليّ(ع) عندما بعثه إلى اليمن، وكان حزيناً لفراق رسول الله(ص): "لأنْ يهْدِيَ الله بِكَ رجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مما طلعت عليه الشمس".
لا ندري أين هو هذا الإنسان، قد يكون في قرية نائية، ونذهب إلى هذه القرية، ونساعده على أن يهتدي إلى خطِّ الإسلام الأصيل.
وطبعاً، مثل هذه الشخصيات، قد لا تعرفها النّاس في كثير من المواقع، نحن عرفنا الحاج كاظم لأنه كان قريباً من سماحة السيّد، وكان جزءاً من هذه الرموز الأساسية في العمل الإسلامي التبليغي والدعوي، ونعرف أنّ هذه الشخصيّة لها تأثير كبير في موقعها، وأسّست لما بعدها.
نسأل الله سبحانه وتعالى لفقيدنا الرحمة والمغفرة وعلوّ الدّرجة، وأن يجعله عبرةً لنا لنتحرّك في الخطّ التبليغي للإسلام، بالطريقة التي نعذر فيها أمام الله، بما نجده من هذه النماذج من حولنا، والحمد لله ربِّ العالمين.
_________________________
* كلمة ألقاها سماحته في الحوزة العلميّة التّابعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، بتاريخ 17 تشرين أوّل 2018م.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق