صلاح جبار
◄الشعور هو ذلك الفن الأوّل في المنظومة الأدبية، ويعتبر تراث العرب الثقافي وفخرهم الإبداعي، والشعور لغة خاصة يبلغها الشاعر بالبحث والتأني والاختيار، وفيه بالنسبة له الهدف والوسيلة، وسيلة الرؤية والقابلية على الاستحضار بشكل تتفجر معه المفردات موحية مثيرة مدهشة، تحمل تراثاً ضخماً من الطاقات الشعورية والتعبيرية نتيجة لتوفقها على اللغة العادية بما تمتلك من روابط وعلاقات شعرية متداخلة منحتها خصوصية الإيحاء.
وبعد هذه المقدمة وفي هذه الدراسة النقدية نسلط الضوء على الرمز الحسيني في الشعر العربي المعاصر، ولما لواقعة الطف من أثر فعّال على الإنسانية جمعاء بحيث جعلت الكثير من المبدعين الأدباء والكتاب والمفكرين والقادة العالميين يتأثرون بشخصية (الحسين) وبجوانبها المختلفة الثورة، الرفض، المظلومية، الموقف الخالد فهذا محرر الهند (المهاتما غاندي) ومقولته الشهيرة (تعلمتُ من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر) بينما نرى المفكر الألماني (نتيشة): (لو كان الحسين لنا لوضعنا له في كل شارع تمثالاً) اما الشعراء العرب القدامى أمثال (دعبل الخزاعي) أو المعاصرين فقد اتخذوا من واقعة الطف ومن الرمز الكربلائي موقفاً نهضوياً يعالجون من خلاله مشاكل الأُمّة.
وحينما استقرت الرماح
في حشاشة الحسين
رأيت كل وردة تنام
عند كتف الحسين
رأيتُ كل حجر يبكي على الحسين
رأيت كل نهر يسير
في جنازة الحسين
إنّ الرمز الحسيني يمتد فوق الزمان بنبضاته الخلاقية، فهو تجسيد لصراع الحقّ مع الباطل، هذا الصراع الذي لا ينتهي ولا يحسم أبداً ولأنّ المأساة الحسينية لم تشفي غليلها بعد، فلابدّ للانفعالات والعواطف والمحبة الموالية أن ترفد الجانب الوجداني للولاء، بنتاجاتها التي تستوحي من الملحمة العظيمة كلّ محرك للضمائر، ومهيج للهمم ومدرء للدموع العاشقة كما في قصيدة الشاعر العراقي الراحل مصطفى جمال الدين:
ذكراك، تنطفىء السنين وتغربُ *** ولها على كتف الخلود تلهبُ
لا الظلم يلوي من طماح ظرامها *** أبداً ولا حقد الضمائر يحجبُ
ذكرى البطولة ليلها كنهارها *** صاح تؤج به الدماء وتلهبُ
ذكرى العقيدة لم ينوء متن لها *** بالحادثات، ولم يخنها منكبُ
وبغض النظر عن الأراجيز والمقطوعات التي زامنت الأحداث والفجائع في طراوة وقوعها فقد أغفى الشعر شأنه شأن الأنشطة الأخرى عن الحقائق التي تجلت في أرض كربلاء وطالت الأغفاءة لتتفجر فيما بعد عواطف فياضة بالولاء وانفعالات منصهرة بالحب، ومشاعر ذائبة بالمسيرة الحسينية التي تنبض عشقاً وديمومة فهذا الشاعر الحجازي (نزار سنبل) نراه كيف يتناول الرمز الكربلائي بلغة مغايرة، إذ يقول في قصيدة (دموع على رمال الطف).
ماكربلاؤك بقعة محمومة *** هدأت تغظ الراحة وسباتِ
هي قبلنا الواري الذي بلهيبه *** ما أنفك يرسلُ في المدى الجمراتِ
هي برجنا العاجي الذي بشموخه *** نطأ النجوم منى من الغاياتِ
لقد أصبح الرمز الكربلائي في الزمن المعاصر انشودة ثورية ترددها الشعوب الضامئة إلى لون الحرية والعقيدة الإسلامية، فالحسين لم يقف فترة زمنية عابرة، وانما موقفاً خالداً، وهذا الشيء يراود الشاعر العراقي (جواد جميل) في مجموعته الشعرية (للحسين.. لغة ثانية)، وكأنّه يستقرىء التاريخ بلغة شعرية مرهفة إذ يقول في قصيدة (الرؤى):
لم نكن نسمع ماقال
ولكنا رأينا قمراً غادر كفيه.. ونورس
ورأيته ظله الأخضر
منقوشاً على الرمل المدمى
ورأينا بين عينيه صلاة تتيبس
نستنتج من هذا الموضوع بأنّ الرمز الحسيني الكربلائي ببكائيته الحادة يشكل هماً بارزاً من هموم الشعر العربي المعاصر، وأنّ المدرسة أثرت تأثيراً إيجابياً في مسيرة الشعوب الإسلامية والعالمية مما جعل الشعراء والأدباء يتناولون (الحسين) كرمز تأريخي في أغلب نتاجاتهم كما في المسرحية الشعرية الشهيرة (الحسين – ثائراً) للشاعر المصري عبدالرحمن الشرقاوي والتي تناول فيها واقعة الطف برؤى حداثوية وأسلوب حواري، تجعل المتلقي يقف أمام حقيقة الصراع بين معسكر الحقّ والباطل، وأخيراً انّ رمزية الحسين هي صرخة مدوية تطلقها الأجيال القادمة بوجه طواغيت الأرض.►
ارسال التعليق