• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الرسالة الإسلامية.. بناء للذات وتكوين للشخصية

عمار كاظم

الرسالة الإسلامية.. بناء للذات وتكوين للشخصية

تنطلق الرسالة الإسلامية في بناء الفرد والمجتمع وصيانته من الهدم والتخريب والفوضى الفكرية.. تنطلق من التربية والتثقيف والإعداد الروحي والسلوكي، ونقطة الشروع في ذلك هي ذات الفرد، فكره وعواطفه وضميره وغرائزه، ومراكز التحريك والاستجابة للمؤثِّرات في أعماق نفسه.

 لَخَّص القرآن هذه المبادئ وجعلها قانوناً في علم النفس بقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرَّعد/ 11)، والآية صريحة في أنّ ما يحدث من تغيير سلبي أو إيجابي في حياة الفرد والمجتمع، هو تجسيد لما يحمله الإنسان في أعماق نفسه من فكر ودوافع ونوازع تقوده إلى نمط سلوكي مُعبِّر عمّا تحويه ذاته وأعماق نفسه؛ ذلك لأنّ سلوك الفرد والمجتمع هو تجسيد وانعكاس لنمط العقيدة والأفكار ودوافع الذات البشرية، قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (البقرة/ 148).

فلكلّ إنسان اتّجاه في حياته نحو الخير أو نحو الشرّ، والقرآن يربي وجهة الإنسان على الخير؛ ليكون ذلك هو اتّجاهه ومساره في الحياة، نقرأ في كتاب الله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (الإسراء/ 48).. أي كلّ يعمل وفق سجيّته وطبيعته النفسية التي يحملها في أعماق ذاته، ولذا كانت مهمّة التربية الإسلامية هي بناء الذات وتكوين الشخصية وفق قيم أخلاقية وروحية ومنهجية متطابقة مع البناء الاجتماعي السليم الذي تصوغه الشريعة الإسلامية، ليكون التوافق والتكامل بين الذات الفردي والمحيط الاجتماعي القرآني لحماية الفرد من التناقض وازدواج الشخصية وانقسامها.

والتربية الإسلامية تقوم على أساس الإيمان بالله، والعمل بما يرضيه سبحانه، ورضاه هو في الحقّ والعدل والإحسان ومكارم الأخلاق وعمل المعروف وترك المُحرَّم الضارّ، وأداء ما هو واجب. يبدأ هذا المنهج التربوي مع الطفل من لحظة ولادته.. فأوّل كلمة يسمعها في عالم الدنيا هو نداء الآذان والإقامة، فمن المستحبّات أنّ الطفل عند ولادته يُؤذَّن في أُذنه اليمنى، وتُتلى الإقامة في أُذنه اليسرى.

إنّ من واجب الأبوين التربية الصالحة لأبنائهم وإعدادهم على الخير والصلاح، فقد أمر القرآن بذلك وثَبَّته بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم/ 6).

كما أمر ودعا إلى تزكيه النفس وتقويم السلوك والدعوة إلى ذلك، بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس/ 9-10)، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشُّعراء/ 88-89)، وتزكية النفس وتنقية السلوك وتقويمه، وصنع القلب السليم، إنّما يأتي عن طريق التربية السليمة والإرادة البشرية السويّة.

وتتحمّل الدولة بمؤسّساتها الثقافية والإعلامية والتربوية، كالمدارس والجامعات ومناهج الدراسة، مسؤولية التربية الصالحة والتثقيف القويم، الذي يبني الإنسان السوي الإيجابي البنّاء، الذي يتجه باتّجاه الخير والإحسان وخدمة المجتمع، ويبتعد عن العدوان والجريمة والانحراف وسوء الخلق، ليكون إنساناً نافعاً في أُسرته ومجتمعه، يحمل روح الإسلام الإنسانية وقِيَمه السامية.

وإذاً فالأُسرة مسؤولة عن التربية الصالحة، والدولة مسؤولة عن التربية الصالحة، والفرد مسؤول عن تربية نفسه وتهذيبها وحماية النشء والشباب والمراهقين من كلّ ما هو ضارّ.

ارسال التعليق

Top