على الأُم أن تأخذ مخاوف طفلها على محمل الجد وألا تستخف بها. ومهما بدت المخاوف تافهة في نظرها هي، إلا أنها حقيقية في نظره هو، وتسبب له الشعور بالقلق والهلع. عليها أن تشجعه على التحدث عنها. إن قدرة الطفل على التعبير عن مخاوفه تساعد كثيراً على التخفيف من حدة مشاعره، خاصة السلبية منها. على الأُم ألا تعتمد الاستخفاف بخوف طفلها أو الاستهزاء منه كأسلوب لإجباره على التغلب عليه. إنّ القول له: "لا تكن سخيفاً لا يوجد وحش في خزانتك" لا يجدي نفعاً. إذ يمكن أن يجعل الطفل يذهب إلى فراشه، لكنه لا يزيل مخاوفه. كما أن عليها ألا تغذي الخوف عند طفلها. مثلاً، إذا كان لا يحب الكلاب ويخاف منها: عليها ألا تتعمد قطع الشارع بسرعة إلى الجهة الأخرى إذا رأت كلباً وهي تسير برفقة طفلها. لأنّها بذلك تزيد من مخاوفه من الكلاب، فيحاول تجنبها وعدم الاقتراب منها أبداً. عليها أن تدعم طفلها وتعامله بلطف في حال اقتربا من شيء يخيفه أو وجدا نفسيهما أمام موقف يثير الرعب.
- خوف الطفل من الوحش:
يظهر معظم الأطفال الخوف من الوحش بشكل متكرر. فنظرتهم إلى الوحش تختلف عن نظرة الأشخاص البالغين. بالنسبة إلى الطفل، الوحش مخلوق حقيقي ينوي إلحاق الأذى به أو بأفراد عائلته. حتى طفل في عمر السنتين يمكن أن يظهر خوفه من الوحش. قد تحار الأم في معرفة أصل هذا الخوف، وقد تفشل كل محاولاتها في إقناع طفلها بألا وجود للوحش، وبأن الوحش وهم فإنّه لن يؤذيه. لماذا يشعر الأطفال بالخوف من مخلوقات رهيبة مخيفة؟ وماذا تعني هذه الوحوش لهم؟
- لماذا الوحوش؟
يبتدع الأطفال الوحوش نتيجة مرورهم بتجارب شخصية اقتنعوا من ورائها بوجود أشخاص يستطيعون التصرف بوحشية مع الأشخاص الآخرين. هناك نوعان من التجارب تعمل على غرس هذه الفكرة في رؤوس الأطفال: النوع الأوّل يختبره بعض الأطفال فقط، هو ملاحظتهم وجود أشخاص يستطيعون علناً إلحاق الضرر بأشخاص آخرين. إذ ربما يكون الطفل قد شاهد أطفالاً آخرين يتعرضون لعنف جسدي أو لفظي، وربما يكون هو نفسه تعرض لمثل هذا العنف. من المهم ألا يغيب عن بال الأُم أن طفلها يمكن أن يفسر العنف ضده على أن باستطاعتها كشخص بالغ أن تعامله بقسوة وتظلمه حتى ولو لم يكن في نيته التسبب في إثارة أعصابها أو أذيتها. مثلاً، إنّ الطفل الذي سبق أن تعرض لعقاب جسدي، يمكن أن ينظر إلى أمه على أنها من ذلك النوع من الأُمّهات اللواتي يمكن أن يتحولن إلى أشخاص خطرين ومخيفين (لهذا ينصح معظم خبراء التربية بعدم استخدام العنف الجسدي كأسلوب لمعاقبة الطفل). مثال آخر: لأنّ الطفل في عمر خمس سنوات أو أقل لا يدرك تماماً الفرق بين ما هو وهم وما هو حقيقة، يمكن أن يعتبر أنّ الأشخاص الخطرين والأنذال الذين يظهرون على شاشات التلفزيون هم أشخاص حقيقيون. يمكن أن ينجح الطفل في تطوير انفعالاته وأن يقل خوفه من الوحش، إذا بذلت الأُم أقصى ما تستطيع لحمايته من أي عنف أو أذى يمكن أن يلحق به.
النوع الثاني من التجارب، يختبره كل طفل، ويحصل ذلك عندما يحس الطفل بمشاعر الغضب داخله. أحياناً تكون هذه المشاعر قوية إلى حد بعيد، إن حدة نوبات الغضب التي تنتاب الطفل، تبين تماماً مدى شدة غضبه. كل الأطفال يختبرون مشاعر الغضب لأنّ الغضب والظلم يلعبان دوراً أساسياً في رد فعل الطفل نحو أي موقف مؤلم أو خطير مثل خيبة الأمل، الإحباط، الضجر، الوحدة، القلق، الألم الجسدي.. إلخ.
كثيراً ما يشعر الطفل الصغير بالخوف من غضبه. وينبع خوفه هذا من خشيته ألا يتمكن من السيطرة عليه فيلحق الأذى بالآخرين و/ أو ينال عقاباً عليه، علاوة على ذلك، يشعر الطفل بالقلق من رد فعل الأُم في حال اكتشفت مدى عدائية أفكاره والغضب الكامن داخله، اعتقاداً منه أن في استطاعة الأُم دائماً قراءة أفكار طفلها.
مثل هذه المخاوف تحفز الطفل بقوة إلى أن يصبح قادراً على السيطرة على غضبه ومشاعره العدائية. فيلجأ إلى أسلوب الحماية الذاتية المعروف بـ"التبرير" الذي يمكنه من الإيحاء بأن مشاعره غير المرغوب فيها تعود إلى أشخاص آخرين لا إليه هو.
إنّ التبرير يساعد الطفل على الشعور براحة أكثر فيحس وكأنّه تحرر من مشاعره العدائية. ولكن للتبرير جانب سلبي، لأنّه لا يعمل على إزالة المشاعر، إضافة إلى أنّه يضر بالطفل فعلياً. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة خوف الطفل من المشاعر الهدامة الكامنة داخله. فيتخيل أن هناك وحوشاً. وخوفه منها يزيد من عدوانيته. ولكن قد يمنحه التبرير الوقت اللازم لتعزيز ثقته بنفسه، وتطوير أساليب تساعده على السيطرة على ذاته، وترويض مشاعره العدائية. إنّ الطفل القادر على تحقيق هذه البراعة لا يفكر كثيراً في وجود الوحش، وتكون مخاوفه أقل، ويكون أكثر قدرة على تقنين مشاعره العدائية وتحقيق أهدافه البناءة. على الأُم مساعدته على تحقيق هذه المهارة من خلال:
- تفهّم مخاوف الطفل:
لا ينقطع الطفل الصغير عن اكتشاف العالم الذي يحيط به. ولا يتوقف خياله عن التطور. ومن ترجمة كل ما يراه في حياته اليومية إلى صور مرعبة تتكون في رأسه. وهذا ما يدفعه إلى الخوف من الظلام فيتخيل وجود وحش مختبئ في مكان ما في الغرفة المظلمة. تختلف مخاوف الطفل بين مرحلة وأخرى. ولهذا، لا توجد طريقة واحدة يمكن اتباعها لتساعده على التغلب على مخاوفه. لذا، يجب تعديل الأساليب بما يتناسب مع مرحلة تطور الطفل وقدرته على التعامل مع مخاوفه.
- وضوح الرسالة:
على الأُم ألا ترسل رسائل خاطئة إلى طفلها من خلال قولها له مثلاً: "لا تصرف كطفل صغير"، أو "لا تكن جباناً"، أو "انظر إلى صديقك. إّنه لا يخاف".. إلخ. مثل هذه الكلمات تجعل الطفل يعتقد أن من الخطأ أن يخاف، فيتوقف عن مشاطرة الأُم مخاوفه. على الأُم أن توضح لطفلها أن لا بأس إن شعر بالخوف، وأن تشرح له أن لا ضير من مشاطرتها مخاوفه وطلب مساعدتها.
- عدم تجاهل مخاوف الطفل:
إذا كان الطفل يخاف من شخص معيّن، قريب أو جار أو صديق للعائلة، على الأُم ألا تتجاهل خوف طفلها أو تجبره على الاقتراب من الشخص الذي يخافه أو يسلم عليه أو يوجد معه، بل على العكس، عليها أن تتحدث مع طفلها عن الموضوع وتحاول أن تعرف منه أسباب خوفه من الشخص. حتى لو كانت الأُم تعتقد أن من غير المحتمل أن يلحق الشخص الأذى بطفلها عليها أن تشعره بأنّها تشاركه ظنونه.
- عدم إجبار الطفل على تأدية عمل يخافه:
إنّ إجبار الطفل على القيام بعمل يخاف منه، يزيد الأمر سوءاً. على الأُم أن تتخيل نفسها لو أجبرها أحد مثلاً على حمل حشرة تخاف منها، أو على القفز بالحبل من مكان عالٍ. على الأُم أن تمنح طفلها الوقت ليتكيف مع مخاوفه ويتمكن من التغلب عليها. عليها أن تدعمه بأقصى ما تستطيع من حب واهتمام.
- تفقّد الغرف:
على الأُم أن تقوم مع طفلها الذي يخاف بجولة على غرف المنزل، وأن تشعل النور وتبحث تحت الأسرة وتفتح أبواب الخزائن لتبين له أنّه لا توجد وحوش في المنزل إطلاقاً. وإذا كان يخاف من الأصوات أو من خيالات الأشياء عليها أن تحدثه عنها بلغة بسيطة وألا تحاول فلسفة الأمور.
- اهتمام:
إنّ التحدث إلى الطفل بشأن مخاوفه يجعله بالتأكيد يشعر براحة أكبر. على الأُم أن تدع طفلها يشرح لها ما يخيفه ولماذا يخيفه. وأن يتحدث عن شعوره عندما يحس بالخوف. عليها أن تشعره بمدى اهتمامها به عند حديثه عن مخاوفه. وأن تقول له إنها هي أيضاً كانت تشعر بالخوف من أشياء كثيرة حين كانت طفلة صغيرة. مثل هذا التعاطف يؤدي بالتأكيد إلى تعزيز الروابط بين الأُم وطفلها، خاصة عندما يشعر باهتمامها بمشاعره.
- عدم الاستهزاء بمخاوفه:
إنّ استهزاء الأُم بمخاوف طفلها، لا يقلل منها، بل على العكس يزيد منها ويقلل من ثقته بنفسه. وهذا يزيد من المشاكل ويعززها، مثل تحول الخوف إلى فوبيا (أقصى درجات الخوف). إنّ في إمكان الطفل التغلب على مخاوفه إذا لقي اهتماماً وحباً من الأُم. فالتجاهل والاستهزاء لا يولدان إلا مشاعر سلبية عند الطفل.
- خوف الطفل من الظلام:
إنّ الخوف من الظلام جزء طبيعي من تطور الطفل. يمر كل طفل تقريباً بمرحلة عمرية يشعر فيها بالخوف من الظلام. كثيراً ما يصادف أن يذهب طفل صغير إلى النوم ليلاً والغرفة تغرق في ظلام دامس. ولكن، عندما يصبح في عمر السنتين ونصف السنة أو ثلاث سنوات، يأخذ في الخوف من الظلام على جدران الغرفة المظلمة أو من الوحوش المختبئة تحت السرير. في الواقع، إنّ الخوف جزء طبيعي من تطور الطفل ويبدأ في عمر السنتين ونصف السنة إلى ثلاث سنوات. ويتطور الخوف عندما يصبح الطفل في سن تمكنه من التخيل، ولكنه لا يكون كبيراً إلى حد يستطيع التمييز بين ما هو خيال وما هو واقع. لذا، إذا حاولت الأُم إقناع طفلها بعدم وجود أشباح لأنّها في الأساس غير حقيقية وطلبت منه الذهاب إلى فراشه، فإنّها لن تجد أذناً مصغية من طفلها.
ما الذي يتسبب في خوف الطفل من الظلام؟ يعتبر التلفزيون أسوأ مثال على إثارة خوف الطفل من الظلام. قد لا تدرك الأُم مدى تأثير التلفزيون في طفلها. إلا أن أنوار التلفزيون الساطعة والأصوات التي تصدر عنه تحفز ذهن الطفل بقوة وتثير خوفه. أن أفضل وسيلة لتهدئة مخاوف الطفل من الظلام، هي التواصل معه واحترامه وتفهمه. فإذا كانت الأُم تتواصل مع طفلها منذ البداية فإن في إمكانه أن يفهمها عندما تحدثه عن الخوف من الظلام. كما أن عليها أن تحترم طفلها وألا تستخف بمخاوفه أو تستهزئ بها، لأنّ الاستهزاء إزالة مخاوفه. إضافة إلى أنّه يؤدي إلى شعور الطفل بالذنب والعار أيضاً. هذه بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد الأُم على وضع حد لمخاوف طفلها.
- المحافظة على الهدوء:
على الأُم أن تبذل أقصى ما تستطيع لتحافظ على هدوئها أثناء تحدثها مع طفلها عن خوفه من الظلام. عليها أن تصغي له، وألا تبالغ في تجاوبها معه أو تظهر غضبها حتى لا تزيد الأمر سوءاً عليها أن تشعر طفلها بأنّه في أمان وأن في استطاعتها معالجة موضوع خوفه من الظلام، وأن تفسر له معنى الخوف وأن تساعده على إدراك أنّه أمر طبيعي وعادي.
- عدم الشعور بالإحباط:
على الأُم تؤكد لطفلها دائماً وأبداً أنّ الشعور بالخوف من الظلام أمر عادي. ولكن عليها ألا تصاب بالإحباط لمجرد اكتشافها أن خوف طفلها مبني على أوهام. عليها ألا تتهمه بأنّه أحمق وجبان، لأنّه إن لم تكن تخيلاته حقيقة فإن خوفه حقيقي.
- عدم السماح للطفل بالنوم في غير سريره:
على الأُم أن تقاوم دائماً رغبتها في السماح لطفلها بالنوم في سريرها، لأن من المفترض أن تحافظ على الحدود بينها وبين طفلها وأن تفسح المجال أمامه ليتعامل مع خوفه من الظلام.
- تمكين الطفل من مواجهة مخاوفه:
على الأُم أن تمنح طفلها السلطة ليتمكن من التغلب على خوفه من الظلام. عليها أن تسأل طفلها إن كان يرغب منها أو من والده أن يتفقده أثناء نومه، وأن تطلب منه أن يحدد إن كان يرغب في أن تتفقده كل ساعة أو ساعتين أو أكثر، لأن تفقدها لطفلها يشعره بالأمان والراحة، وهذا بدوره يساعده على التغلب على خوفه تدريجياً. كما أن عليها أن تسمح له بأن يأخذ معه إلى السرير الغرض الذي يشعره بالأمان مثل: غطاء، أو لعبة على شكل حيوان محشو، أو مصاصة، أو ضوء خافت، ليساعده على النوم براحة أكبر. على الأُم ألا تقول لطفلها مثلاً: "تعالَ لنتأكد من عدم وجود وحش تحت السرير" والغرفة مظلمة. أو "إذا تصرفت بتهذيب لن يبقى ولا وحش تحت سريرك"، لأنّها بذلك تزيد من فكرة وجود أشباح في الظلام وأنّه لا يستطيع التغلب عليها إلا إذا كان صادقاً وتصرف بتهذيب. لذا، عندما تتفقد الأُم خزانة طفلها في وجوده، عليها أن تبين له أنها تقوم بذلك كي تريه ملابسه وأحذيته لا لتتأكد من عدم وجود أشباح.
- عدم تجاهل سبب المشكل:
إنّ وقوع الطفل تحت ضغط عائلي، مثل: الطلاق، أو موت فرد من العائلة، أو ولادة طفل جديد، أو الانتقال إلى منزل جديد أو مدرسة جديدة.. إلخ، كلها أمور تزيد من مخاوف الطفل. وأكثر ما تظهر هذه المخاوف في الليل ومن الظلام بشكل خاص. لذا، على الأُم أن تحدّث طفلها عن كل ما يمكن أن يثير مخاوفه حتى يشعر بالأمان وبالتالي بالقدرة على مواجهة الخوف.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق