• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الديمقراطية ومجتمعاتنا العربية

د. سليمان إبراهيم العسكري

الديمقراطية ومجتمعاتنا العربية
◄يتنامى الحديث اليوم في وسائل الإعلام العربية وفي مجالات السجال والحوار العامة والخاصة حول الديمقراطية، في إطار مناخ عام تهب فيه رياح التمردات والاحتجاجات العربية الساعية للتغيير من عصور أنظمة حكم الاستبداد والقمع إلى أجواء الحرية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أيّة ديمقراطية نقصد؟ وهل الإطار الديمقراطي الغربي المعروف في العالم يمثل النموذج الأوحد للديمقراطية الذي يناسب كل المجتمعات؟ أم أنّ هذا النموذج قد تمت صياغته وفقاً لظروف تاريخية وعادات غربية تخص الثقافة الغربية التي ولدت فيها هذه الديمقراطية والتي قد لا تتناسب بعض ما فيها من ضوابط وقوانين مع تقاليد وثقافة مجتمعات أخرى تعيش واقعاً اجتماعياً وتاريخياً مختلفاً؟ في البدء أود التأكيد على أنني هنا منشغل بطرح الموضوع للنقاش عبر تلك الأسئلة سعياً لفهم أوسع وأشمل لموضوع الديمقراطية ومستقبلها في مجتمعاتنا العربية. وأغتنم الفرصة لفتح الباب أمام مفكرينا وأصحاب الرأي العرب للمشاركة في نقاش هذا الموضوع الذي يشغل حياتنا السياسية اليوم والذي سيترتب عليه الكثير من التحولات في بلداننا العربية، التي تشهد اليوم قوى اجتماعية جديدة تسعى لتشكيل نظم سياسية مختلفة تتأسس على الديمقراطية، لكنها في الوقت نفسه تطرح نماذج مختلفة لمشاريع الحكم في أطروحات ملخصها جدل مستمر بين مشروع الدولة المستندة إلى التراث والنصوص الدينية ومشروع الدولة المدنية القائمة على الأخذ بنماذج الديمقراطيات الغربية. إنّ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة يستدعي السؤال أوّلاً عن تعريف الديمقراطية، هل هي مجرد حشد الجمهور للذهاب إلى صناديق الانتخابات وإدلاء بأصواتهم لاختيار نواب البرلمان أو الحكام؟ أم أنها في جوهرها أعقد من ذلك وأكثر تركيباً؟ الحقيقة أنّ الاقتراع هو شكل أدوات من الديمقراطية لكنه ليس كل الديمقراطية، لأنّ هذا الاقتراع أو الانتخاب لابدّ من أن يتم على أسس ديمقراطية تتمثل في قدرة الناخب على الاختيار الحر والواعي، ويعتمد على المساواة في الإمكانات والوسائل التي تصون الحرية في الاختيار. وبين هذه الإمكانات المساواة في درجة الوعي وفي معرفة الشعب لمختلف حقوقه، وهو ما لا يتوافر في مجتمعاتنا العربية بسبب ارتفاع نسب الأمية وتزييف الوعي لهذه الجماهير لعشرات أو مئات السنين من نظم في الحكم مستبدة وقاهرة. والشرط الأهم في موضوع الانتخاب هو الحرية بأن يكون الفرد حراً ليختار ما يريد ويعرف ما يريد ولماذا يريد، وأن يملك القدرة على تحقيق ما يريده. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هل يستوي فهم المواطن الغربي للحرية والديمقراطية التي يعيشها بالطريقة نفسها التي يفهمها بها المواطن في شرق آسيا مثلاً، بل هل تستوي ديمقراطية في اليابان حيث نشأ المواطن هناك في ثقافة عرفت بالإنغلاق والإمبراطوريات الديكتاتورية مع ديمقراطية المجتمع الإندونيسي المسلم الذي يعد اليوم أحد أكثر المجتمعات الإسلامية تقدماً في مفهوم التسامح والتعددية، ثمّ هل تستوي كل هذه النماذج الديمقراطية مع ما يفهمه المواطن العربي عن الديمقراطية في إطار الثقافة التي نشأ فيها؟ ألا تختلف الموروثات الثقافية في كل مجتمع عن الآخر؟ وما مدى تأثير كل ثقافة على بناء ديمقراطيتها، وهل يتساوى بناء أنظمة حكم ديمقراطية في مجتمعات زراعية أو قبلية مع ديمقراطيات لمجتمعات صناعية وما بعد الصناعية؟ بل إنّ المجتمع الواحد نفسه تتغير فيه المفاهيم من آن لآخر وتتطور، فلا يمكن أن نقارن التفتح والانفتاح الذي تعيشه الثقافة الغربية الأوربية اليوم وبين ما كانت تعيشه هذه الثقافة في العصور الوسطى وفي العصر الفيكتوري من انغلاق وتزمت ترافق مع منظومات حكم ديكتاتورية. ومنذ اتخذت الديمقراطية في الغرب سبيلاً للحكم والحياة وهي تتعرض للمراجعة والتطوير بين الأنا والآخر وفقاً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع. وهذا ما نقصده بأنّ الاختلاف بين الدول العلمانية والدول التي يعد الدين فيها مكوناً أساسياً في الثقافة وفي الذهنية العامة للجماهير اختلاف كبير من حيث تقبل التغيير والانفتاح والمرونة في فهم أسس التعايش المشتركة، وفي تفهم القيم الحقيقية للديمقراطية القائمة على المساواة بين الأفراد في المجتمع بغض النظر عن أي اختلاف، مساواة تمتد للحقوق والواجبات التي يخضع لها الجميع بلا أي تمييز.   - الديمقراطية ليست بدعة وقيم الإسلام معطلة: لكننا عندما نقول ذلك ينبغي أن ننتبه تماماً إلى أن هناك الكثير من القيم الحضارية التي أقرها الإسلام، وحاز بفضلها قوته وقدرته على الانتشار الواسع، والتي تبدو اليوم معطلة في المجتمعات العربية، وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للإنسان الذي كان مستعبداً، منزوع الحقوق، وتحريم الجرائم التي تتنافى وحقوق الإنسان مثل القتل والسرقة وإقرار مبدأ المساواة بين جميع البشر بلا تفريق طبقة أو جنس أو لون، إضافة إلى إشاعة العدل وإقرار مبدأ رقابة الأفراد للحاكم، وهي أمثلة تفيض بها كتب السيرة وتفاسير القرآن العديدة والمعتمدة، وفيها يظهر تماماً كيف أنّ النبي (ص)، بكل ثقله الروحي ومكانته، أعطى نموذجاً في أنّه بشر قد يخطئ وقد يصيب، وأنّه كان يطلب رأي المسلمين في كثير من قراراته الدنيوية فأين المجتمعات العربية من كل هذا اليوم، إنّ هذه القيم تعطلت ليس فقط في المجتمع بل حتى لدى الحركات الدينية نفسها، التي تريد أن تسبغ على قياداتها صفات تقترب من القداسة ولا تقبل أن يختلف معها أحد من أتباعها، فما بالكم بالأنداد؟ إنّ عملية التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في فكرنا العربي المعاصير يجب أن تتصرف إلى إبراز "عالمية" حقوق الإنسان في كل من الثقافة الغربية والثقافة العربية الإسلامية أي كونها تقوم على أسس فلسفية واحدة وهو ما يشير إليه الجابري في كتابه "الديمقراطية وحقوق الإنسان"، موضحاً أنّ الاختلافات لا تعبر عن ثوابت ثقافية، إنما ترجع إلى اختلاف أسباب النزول أما المقاصد والأهداف فهي واحدة. والرجوع إلى أسباب النزول وبمعنى أوسع: الظروف العامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكري التي جعلت موقف هذا المُشِّرع أو ذاك من هذه القضية أو تلك على ما هو عليه أمراً ضرورياً وأكيداً لفهم المعقولية التي تؤسس ذلك الموقف. وذلك لتجنب الانزلاق إلى ذلك الخطأ المنهجي الخطير الذي يقع فيه الكثير من الناس حين يحاكمون أمور الماضي بمقاييس الحاضر ومشاغله. ويؤكد الجابري على أن علمانية حقوق الإنسان في الفكر الأوربي الحديث لم تكن تعني لدى الفلاسفة الاستغناء عن الدين كدين بل فقط التحرر من سلطة الكنيسة وطقوسها. فقد بنوا معقولية حقوق الإنسان باعتماد العقل وحده فعلاً، لا ضداً، على الدين بل ضد الفهم الذي تفرضه الكنيسة وما يرافقه من طقوس. لقد احتفظوا بالدين وازاحوا تقاليد الكنيسة وسلطتها وأحلوا محلها العقل وسلطته فهل يتناقض هذا الموقف في شيء مع الموقف الإسلامي المؤسس لحقوق الإنسان على العقل والفطرة والميثاق والشورى؟ إنّ هذه الأسئلة تصب في جوهر ما نناقشه هنا حول الديمقراطية بوصفها، لا تتعارض مع المبادئ الجوهرية للإسلام والتي رفعت من شأن حرية الفرد وكسرت الحواجز الطبقية بين البشر وأعلت من شأن المرأة في سبيل إقامة مجتمع العدل والمساواة، وهذا ما يجب مراعاته من أي طرف من أطراف الجهات الثورية التي تريد تشكيل الحكومات الجديدة في المنطقة العربية على أسس جديدة باسم المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية لمختلف فئات المجتمع. "هل تعني الديمقراطية مجرد حشد الجمهور إلى صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم لاختيار البرلمان أو الحكام؟ أم أنها في جوهرها أعقد من ذلك وأكثر تركيباً؟". "هل تستطيع الجاليات المهاجرة إلى الغرب أن تلتزم بكل قوانين وقواعد الديمقراطية في الغرب؟". "القيم الحضارية التي أقرها الإسلام وحاز بفضلها قوته وقدرته على الانتشار الواسع تبدو اليوم معطلة في المجتمعات العربية وفي مقدمتها إعادة الاعتبار للإنسان وتحريم الجرائم التي تتنافى مع حقوقه".►

ارسال التعليق

Top