أجريت التجربة التالية على بطل ألماني من أبطال العدو. أخبروه أنّه سيتم تصوير فيلم تسجيلي عن حياته اليومية وإنجازاته وبطولاته في دنيا الرياضة.
في اليوم المحدد للتجربة وضع العلماء على كتفه جهاز استقبال حساساً ودقيقاً للغاية بحيث لا يشعر به البطل الشاب.
وما إن أعطيت إشارة البدء حتى قام العلماء بإرسال نغمات موسيقية هادئة بطيئة الإيقاع ليستمع إليها طوال فترة أدائه للسباق.
وكانت المفاجأة فشل العداء في أن يحقق أرقامه التي سبق له تسجيلها منذ سنوات!
وبعد أن استراح لمدة ربع الساعة فقط قالوا له إنّهم سيعيدون بضع لقطات وطلبوا منه أن يستعد من جديد لأداء السباق.
في هذه المرة أرسل العلماء عبر جهاز الاستقبال موسيقى خافتة ولكنها سريعة الإيقاع.
وجاءت النتائج مذهلة، فقد حطم العداء أرقامه القياسية السابقة بسهولة تامة واستطاع أن يسجل أيضاً رقمين جديدين!
وعندما سئل البطل الشاب عن رأيه في الموسيقى التي سمعها أثناء الجري، اندهش قائلاً: أي موسيقى؟!
لقد أثّرت الموسيقى على أداء العداء دون أن يدرك ذلك.. وجاءت النتائج لتوضح مدى تأثير الإيقاع المسيطر في أداء الفرد.
حاول.. من فضلك!
كثيراً ما تخرج من بيتك لتجد أن نغمة أغنية معينة تطارد أذنيك، ثم تضبط نفسك وأنت تردد كلمات هذه الأغنية أو نغماتها باستسلام تام.
إذا كانت النغمة المسيطرة على الأذن سريعة فحاول أن تسير بخطوات بطيئة. هل تستطيع؟
بالطبع لا. لماذا؟ لأنّك يجب أن تطيع الإيقاع في أذنك!
إذن، حاول العكس، أي أن تسير بخطوات سريعة على نغمات أغنية بطيئة الإيقاع. لن تستطيع أيضاً، لأنّ الإنسان أسير للإيقاع المسيطر عليه!
وفي كتابه (الإذاعة وبناء الإنسان) يقول الإعلامي إيهاب الأزهري: إن العالم المتقدم يعرف أثر الإيقاع في الفرد وفي الحياة كلها فنجدهم يقسمون موسيقاهم إلى:
أ - موسيقى أثناء العمل.
ب - موسيقى للاسترخاء.
ويضيف قائلاً: إن الإذاعة البريطانية خصصت برنامجاً يومياً موجهاً إلى ثمانية ملايين عامل بعنوان (موسيقى أثناء عملك) وذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد قامت مؤسسة موزاك (Muzac) - وهي أكبر مصدر للخدمات الموسيقية للصناعة - بدراسات حول تأثير الموسيقى في العمل، وقد تبين أنّها تؤدي إلى زيادة الإنتاج، وخاصة ذات الإيقاع المناسب، حيث تساعد على التخفيف من التوتر والملل والإجهاد، فالضجيج المستمر داخل المصانع مثلاً يؤدي إلى عدم انتظام إيقاع الأعضاء الحيوية في الجسم, بينما تعمل ضربات الموسيقى على إعادة النبضات المنتظمة داخل الجسم مما يحقق النشاط بلا توتر أو اضطراب.
ولكن ما هو الإيقاع؟
تقول الباحثة د.نبيلة ميخائيل (صاحبة أول دراسة عن أثر الموسيقى في تخفيف آلام المرضى): إنّه يمكن تعريف الإيقاع بأنه القوة الدافعة للطاقة والرابط المشترك للعمل الجماعي من دون كلام!
وقد تم تقسيم تأثير الموسيقى إلى:
(أ) إيقاعات ذات دقات قوية حازمة تؤدي إلى التأثير الحيوي الوقور.
(ب) إيقاعات منسابة بنعومة تؤدي إلى السعادة والرقة والهدوء.
وتشير الباحثة إلى أن إيقاع الطبول والمارشات يؤدي إلى النشاط والقوة. وقد أرجع القائد الفرنسي نابليون بونابرت هزيمته في إحدى المعارك أمام الروس إلى قسوة المناخ وقوة تأثير الإيقاع المصاحب للجنود أثناء القتال!
أما إيقاع الألحان الهادئة وألحان المهد فتهدئ الأعصاب وتبعث على النوم حيث يدفع الإيقاع المنتظم الرتيب إلى النعاس حتى لو كانت هذه الإيقاعات عنيفة.. مثلاً إيقاعات القطار أثناء السير أيضاً تؤدي للنتيجة نفسها. أما العالم روبرت لندن، فيرى أن الزمن الموسيقي لا ينفصل عن إيقاع الجسم، فإذا كان أبطأ من دقات القلب اعتبرت الموسيقى بطيئة والعكس صحيح، وإذا زادت سرعة إيقاع الموسيقى عن دقات القلب فإنّها تسبب للمستمع حالة من المرح والنشاط، ولكنها تؤدي إلى زيادة في سرعة النبض، بينما لا يحدث تأثير يذكر إذا كانت السرعة أبطأ.
وللجسد أيضاً إيقاع!
يعيش الإنسان بإيقاع منتظم, فالنبض في جسمه إيقاع, والقلب وضرباته والتنفس بشهيقه وزفيره ومضغ الطعام والمعدة والأمعاء في انقباضاتهما المنتظمة منذ ابتلاع الطعام وحتى إخراجه من الجسم. كلّ هذا يسير بإيقاع منتظم ومتكامل ومتجانس, ومادام الإيقاع سليماً فالجسم سليم! أما المرض فيعتبر اضطراباً في إيقاع الحركة المنتظمة للجسم وعائقاً له من الانسياب الطبيعي.
ومن هنا جاءت فكرة تنظيم الإيقاع الداخلي للإنسان ومعالجة المرض الذي يصيبه عن طريق الموسيقى.
بيتهوفن والهضم!
تعمل المعدة بموجات إيقاعية تسمى التقلصات الدودية وهي أبطأ بكثير من ضربات القلب وقد أثبت العالم الروسي إيفان بافلوف أن هناك علاقة قوية بين الموسيقى والهضم. فقد ثبت أن الموسيقى الهادئة تساعد على تنشيط الإفرازات الهضمية وبالتالي سهولة الهضم.
أما الإثارة والقلق الناتجان عن الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة فإنّهما يقللان من تلك الإفرازات كما يصيبان المعدة بتقلصات.
وتنصح د.نبيلة ميخائيل بضرورة الاستماع إلى الموسيقى المناسبة أثناء تناول الطعام، فيفضل مثلاً أن تكون مقطوعة موسيقية لآلة واحدة مثل البيانو أو الهارب، كما يجب أن تكون بطيئة وذات صوت منخفض وغير مزعجة ولا تثير الانتباه!
وقد اختار العالم شوجرمان بعض المقطوعات الموسيقية التي تساعد على الهضم ومنها على سبيل المثال:
سوناتا لبيتهوفن ولموتسارت وثلاثية البيانو لبرامز!
ولعل هذا يوضح السر وراء اختيار الموسيقى الكلاسيكية الهادئة وبثها في قاعات المطاعم الكبرى.
ويلخص الفيلسوف والأديب الفرنسي فولتير علاقة الهضم بالموسيقى في جملة طريفة تقول:
إن الهدف من الذهاب إلى الأوبرا مساعدة الهضم!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق