• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التقوى.. مفتاح قبول سائر الطاعات

التقوى.. مفتاح قبول سائر الطاعات
◄(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ...) (النساء/ 131).

هذه وصية من الله سبحانه وتعالى لعباده وهو الأعلم بما يوصيهم به وهو الأنصح لهم والأرحم والأرأف بهم. وهو بكمال حكمته وسَعَةِ رحمته أعلم بما هو أصلح لعباده، وأجمع لهم خيراً، وأعظم لهم أجراً. وهي وصيةٌ جامعة لسائر العباد الأولين منهم والآخرين.

خصلة التقوى هذه الجامعة لخير الدنيا والآخرة، هي مفتاح قبول الأعمال والعبادات وسائر الطاعات لقوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 27).

أليس العبد يقضي سائر عمره في العبادة والمجاهدة حتى يبلغ الرضا والقبول عند الله سبحانه وتعالى؟.. أليس يقيم الصلاة ويؤدي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ليحوز القبول عند مولاه؟.. أليس ينفق أمواله الطائلة ويقضي عمره يتعلم العلم ويعلّمه طمعاً في رحمة الله وعفوه سبحانه تعالى لقوله في كتابه العزيز: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

فما هي التقوى؟ وإلى ماذا ينصرف هذا المعنى العظيم؟

التقوى هي طاعة الله حق طاعته، أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، أن يُشكَر فلا يُكْفَر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102)، فإذا تحقّقت الطاعة بهذا الشكل حصلت في النفس الخشية والهيبة من الله سبحانه الذي حذرنا نفسه بقوله: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (البقرة/ 41)، وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة/ 281)، أي اخشوا هذا اليوم واجعلوا مراقبة الله في نفوسكم دائمة.

وفي سورة النور جاء قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور/ 52)، وفيه تنبيه إلى أنّ التقوى – وإن تضمّنت معاني الطاعة والخشية – إلا أنها تتضمن أيضاً معان أخرى تشمل تنزيه القلب عن الذنوب، فيجعل العبدُ من قوة العزم على تركها وقايةً بينه وبين المعاصي. التقوى تكون باجتناب كلّ ما تخاف منه ضرراً في دينك.. ولكي يأمن المتقي الضرر في أمر دينه تجده يمتنع عن فضول الحلال وهو حلال كي لا ينهمك فيه فيجرّه من باب شره النفس وطغيانها إلى الحرام والمعصية. وبديهي أن من يجتنب فضول الحلال فهو يجتنب قبله كلّ ما هو منهيٌّ عنه من المعاصي والآثام لحُرمتِه وهو إنما ينتهي عن فضول الحلال تأدّباً وورعاً.

وإذا تأملنا ما جاء في بعض آيات القرآن الكريم عن التقوى لتبيَّنّا ما يلحق بالتقوى من خير كثير وثواب وأجر ومغفرة:

(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً...) (آل عمران/ 120).

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ...) (الطلاق/ 2-3).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب/ 70-71).

(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس/ 63-64).

إنّ منزلة التقوى جليلةٌ وطالبها يحتاج إلى همة عالية ومجاهدة دائمة، وتحصيلها ليس بالأمر اليسير والهين؛ فإنّ المكارم على قدر المكاره، ولكن الله الرؤوف الرحيم يسهّل على عبده التقي كّل أمر عسيرٍ وصعب، بيده تيسير كلّ أمر عسير وصعب وهو القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69).►

ارسال التعليق

Top