• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحق والواجب في المنهج القرآني

أسرة البلاغ

الحق والواجب في المنهج القرآني

قال تعالى في قرآنه الكريم: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72).

تبين هذه الآية الكريمة بأسلوب رائع مدى الاستعداد الاستثنائي للإنسان، إذ أشفقت السماء والأرض والجبال من حمل الأمانة الإلهية وتراجعت في حين تقدم الإنسان إلى حملها.

ولم تكن الأمانة التي تراجع الجميع عن حملها وانبرى الإنسان إليها إلّا التكليف والمسؤولية.

إنّ كلّ موجود يتحرك نحو الكمال إنما يفعل ذلك دون إرادة منه أو اختيار، إنّه يطوي طريقه ذلك دون أن يتمكن من تغيير مساره أو هدفه، ولكن الإنسان الذي يرقى فيه طريق الكمال إنما يفعل ذلك انطلاقاً من التكليف والمسؤولية، ولذا فإنّ من دواعي الفخر لهذا المخلوق أن ينهض بالواجب بإرادته.

الكثير من الناس يرغبون في التحلل من الحقوق والواجبات باسم الحرية، ومن الطبيعي أن يفعل الإنسان ذلك، بل من الواجب أن يعيش الإنسان حرّاً في حياته بشرط أن يفعل ذلك في الحدود التي تحفظ له إنسانيته.

إنّ الإنسان حر من كلّ القيود ومن كلّ شيء إلا قيد الإنسانية، أما أن يتحلل من كلّ القيود ومن كلّ الحقوق والواجبات ويعتبر نفسه حرّاً تجاه كلّ شيء، فعليه أوّلاً أن يتخلى عن إنسانيته ويعتبر نفسه جماداً أو نباتاً أو حيواناً على أقل تقدير، ذلك أنّ شرط الإنسانية هو قبول المسؤولية تجاه الواجب والحقّ.

ولأننا بشر وباعتبارنا أرقى المخلوقات وأنّ لدينا حقوقاً وامتيازات في استثمار الأرض والبحار والغابات وما فيها من نبات وحيوان، فإنّ هناك واجبات مترتبة علينا أداؤها. قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) في خطاب له: "اتقوا الله في عباده وبلاده فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم" فقطعة الأرض التي تملكها مثلاً لها حقّ عليك وهو أن لا تُترك بواراً أو خراباً، فإمّا أن تستثمرها بالزراعة أو تعمرها بالبناء، وبهذا تؤدّي حقّها، وكذلك ما تملكه من ماشية كالخيل والغنم والأبقار والإبل والحمير والبغال، فكما أنك تستفيد منها في التنقل أو تستثمرها لأداء بعض الأعمال أو تستفيد من لبنها وصوفها ووبرها، فإنّك أيضاً مسؤول عن رعايتها وإطعامها وإيوائها.

كما أنّ من يتصدى لولاية مدينة أو إقليم من الأقاليم ويكون أمره مطاعاً عليه أن يعلم بأنّ هناك مسؤولية ملقاة على عاتقه في توفير الأمن والاستقرار في حدود مدينته أو إقليمه أو بلاده.

فإنّ من يملك زهرة يستمتع بعطرها الفواح أو بمنظرها الجذاب عليه تقع مسؤولية سقيها والحفاظ على طراوتها.

وإذن فإنّ الإنسان بما يملكه من استعداد ولياقة فطرية تجعل به حقاً في استثمار ما سخّر له من مخلوقات الله، فإنّ عليه مسؤولية كبرى تجاه هذه المخلوقات ابتداءً من الجمادات والنباتات والحيوانات وحتى أفراد نوعه كمسؤوليته تجاه والديه أو ذريته أو زوجه أو قومه أو معلميه وجيرانه.

يوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أحد عماله قائلاً: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بهم ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".

إنّنا كثيراً ما نتحدث أو نسمع عن "الحقّ" و"الحقيقة" ولذا ينبغي أن نعرف الحقّ وأن ندرك الحقيقة.

إنّ إدراك الحقيقة يتم بمعرفة نظام الوجود وأن نعرف مسار العالم كما هو لا كما نتصوره في الذهن من خيالات وأوهام بعيدة كلّ البعد عن عالم الحقيقة وأن نعرف أنفسنا كما نحن، وأن نعرف الله بصفات كماله وجماله وجلاله.

وأما معرفة الحقّ فهي بمعرفة الدين الذي بذمّتنا، أن نعرف حقّ أقرب شيءٍ إلينا وهي جوارحنا فنؤدّي حقها، أن نعرف حقوق آبائنا وأُمّهاتنا وأزواجنا وأولادنا ومعلمينا وجيراننا، أن نعرف حقّ أقربائنا ومواطنينا، وحتى حقّ الأرض التي بحوزتنا أو المقام والمركز الاجتماعي الذي توفّر لدينا.

فإذا عرفنا أنفسنا وربنا والعالم الذين نعيش فيه، وإذا عرفنا ما علينا من حقوق، عندها سنتمكن – ونحن مرفوعو الهامة – من الادعاء بأنّنا أهل للحقّ وأهل للحقيقة.

ارسال التعليق

Top