• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التقرب إلى الله تعالى بالتوبة

عمار كاظم

التقرب إلى الله تعالى بالتوبة

إنّ التوبة رجوع إلى الله وتقرب إليه، والقرب والبعد نسبيان فنستطيع أن نقول إنّ فلان أقرب إلى الله من فلان إنّهما كلاهما قريبان من الله ولكن فلان أقرب. فالأنبياء أقرب إلى الله، من بقية الناس، والأنبياء درجات أيضاً نستطيع أن نقول إنّ موسى (ع) أقرب إلى الله من لوط وإنّ عيسى أقرب إلى الله من أيوب وإنّ محمّد (ص) أقرب إلى الله من سائر الأنبياء (عليهم السلام). وحينئذ يصدق معنى التوبة على رجوع بعض المقرّبين من عباد الله الصالحين من موقعه الذي هو فيه إلى موقع أرفع منه وأقرب إلى ربّه، كما يشهد به ما يحكيه تعالى من توبة الأنبياء، مع أنّهم معصومون لا يقترفون ذنباً وإنما هي مقامات ومنازل ودرجات يرتفع إليها أولئك الصالحون. يقول الله سبحانه وتعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) (البقرة/ 37). وكقوله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 127-128)، وكذلك قوله تعالى حكاية عن موسى (ع): (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف/ 143). فالتوبة هنا ليست عن ذنب وإنما هي رجاء من الله للانتقال من درجة رفيعة إلى درجة أخرى أرفع منها. ذلك أنّ الله تعالى عندما خلق الإنسان وأراد منه أن تكون أعماله دائماً متطابقة مع إرادة الخير، أخذ بنظر الاعتبار إنّ الإنسان يحمل نوازع نفسيه وغرائز حيوانية وجسميه محدوده. فهو بالتالي لا يتوافق دائماً مع إرادة الله سبحانه وتعالى دونما انحراف وشذوذ. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: "المؤمن كالسنبلة يضىء أحياناً ويميل أحياناً أخرى". وقوله (ع): "لابدّ للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة" ومن هنا جاء تشريع التوبة لتؤكد على أنّ الإنسان غير المعصوم لا يكون حقيقة إرادية تمثل إرادة الخير دوماً، فهو يشذ وينحرف للأبدّ من فتح باب العودة إليه كلما شذ الإنسان أو انحرف. وبذا كان الإسلام واقعياً وعملياً عندما تعامل مع الإنسان تعاملاً منطقياً يناسب واقعه كإنسان يخطئ ويصيب وينحرف ويستقيم. ولذا أكّد القرآن الكريم للإنسان هذه الحقيقة، قال الله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) (النور/ 21)، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا) (النساء/ 49)، (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف/ 53)، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) (ق/ 16). فإذا استطاع الإنسان أن يتغلب على نفسه هذه، أصبح إنساناً صالحاً مقرباً من الله تعالى، وهو في درجة عالية لديه تجعله في مصاف الملائكة بل في درجة أعلى من درجات الملائكة، ذلك لأنّ الملائكة ليست لديهم غرائز وعواطف، وهم بالتالي مجبولون على التعبد وفعل الخير. أما الإنسان الذي يحمل في طياته تياراً ينزع للشر، فيتغلب عليه إنّه لا شكّ إنسان عظيم وفي درجة عظيمة لدى الله سبحانه وتعالى وهو بالتالي أفضل من الملائكة القديسين.

ارسال التعليق

Top