◄من جملة المهامّ الخطيرة التي تقع على عاتق المؤمنين وخيرة عباد الله، مع استقرار الحاكمية الإلهيّة في أيّة بقعة من بقاع الأرض، هي إقامة الصلاة التي منحها القرآن شأناً خاصّاً، وجعل لها مكان الصدارة، فقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ) (الحج/ 41)، ولو لم يكن لإقامة الصلاة أهمية أساسية، ولو لم يُنظر إليها كعمودٍ راسخٍ من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للنظام الإسلامي، لما كانت قد حظيت بكلّ هذا التأكيد.
والحقيقة أنّ الصلاة بما لها من دورٍ تريويٍّ جسيم وتأثيرٍ عميقٍ في تحقيق الطمأنينة والسكينة في قلوب المؤمنين، وبثّ روح التوكّل والتقوى والإخلاص في قلب المصلّي، وإشاعة جوٍّ زاخرٍ بالنفحات القدسية والمعنوية من حوله، بما يؤدي إلى تنزيهه والآخرين عن ارتكاب المعاصي، إضافة إلى ما تنطوي عليه ألفاظها وأذكارها من معانٍ ودروسٍ في المعرفة، فهي أكبر من مجرّد فريضةٍ فرديّة، بل لها دورٌ حاسمٌ في إدارة شؤون الفرد والمجتمع.
وإنّ التوصيات البليغة التي وردت بشأن أداء هذه الفريضة، والمهمّة التي أُلقيت على عاتق الأبوين في تعويد أولادهما منذ الصغر على الأنس بها، أعطتها صفة لا تضاهيها فيها جميع الفرائض الأخرى. ويعود السبب في هذا إلى الدور الاستثنائي للصلاة في تنظيم الحافز الروحيّة لدى الإنسان، وتمهيد الأجواء الإيجابية التي تمكّنه من تحمّل الأعباء الثقيلة لواجباته في المجتمع.
وبالالتفات إلى كلّ هذه الجهات، ينبغي حقّاً اعتبار الصلاة كأفضل الأعمال. وشعار "حيّ على خير العمل" الوارد في نداء الصلاة يُعتبر بحقّ كلاماً فيّاضاً بالحكمة.
ثلاث خصائص:
في الصلاة ثلاثُ خصائص رئيسة لها الدور الأساس في تهذيب النفس وتربية الروح:
الأولى: أنّ الصلاة بهيئتها المحدّدة في الإسلام، أي الحركات والأذكار المخصوصة، تدعو المصلّي، بشكل طبيعي، إلى الابتعاد عن الذنب والرذيلة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45)، هذه الدعوة المستمرّة لها القدرة على إنقاذ أي فردٍ من قاع المستنقعات وأن تعرج به.
الثانية: الصلاة تحيي في المصلّي روح العبودية والخضوع أمام ساحة الباري تعالى، فهو المحبوب الحقيقيّ والفطري لكلّ إنسان، وتزيل غبار النسيان عن هذه الحقيقة الساطعة المودعة في أعماق فطرته.
الثالثة: تزرع في قلب المصلّي وروحه تلك السكينة وذلك الاطمئنان الذي يُعتبر الشرط الأساس للنجاح في جميع ميادين الحياة، وتبعد عنه التزلزل والاضطراب الذي يُعدّ مانعاً كبيراً في طريق العمل الجادّ من أجل التربية الأخلاقية.
وكلّ واحدة من هذه الخصائص الثلاث جديرة بالتدبّر والإمعان، ليتضح من خلالها الكثير من معارف الصلاة.
والآن عندما نرى الصلاة بهذه الخصائص وبتأثيرها الاستثنائي، وسعة دائرتها حيث تشمل كلّ المجتمع الإسلامي، أي أنّه ينبغي على الجميع أداء الصلاة تحت أي ظرف وفي أي مكان كانوا، ولا يستثنى أحدٌ من دائرة هذه الفريضة الإلهيّة أبداً، فحينها ندرك مدى تأثيرها البالغ في تحقيق السعادة لشعبٍ ولمجتمعٍ ما.
والحقيقة، أنّه متى ما شاعت الصلاة بكلّ شروطها في مجتمع من المجتمعات، فإنّ هذا الواجب الإلهيّ بعينه سيأخذهم تدريجياً نحو كلّ أشكال السعادة وإقامة صرح الدين في حياتهم.
ولا يفوتنا القول، إنّ كلّ هذا يتعلّق بتلك الصلاة التي تُقام بروحها، أي مع التوجّه وحضور القلب. فمثل هذه الصلاة تجعل المصلّي متناغماً ومنسجماً في عالم الخلق كلّه، وتفتح السبيل أمام تطبيق السنن الإلهيّة في الطبيعة والتأريخ، لأنّ عالم الخلق كلّه، وفق الرؤية الإسلامية، في حالة تسبيحٍ وعبوديّةٍ للحقّ تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) (الجمعة/ 1).►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق