◄صاحب الهمة العالية يتمكن من تحقيق كثير من الأمور مما يعدّه عامة الناس خيالاً لا يتحقق. وهذا الأمر مشاهد معروف عند أهل الهمم؛ إذ يستطيعون – بتوفيق الله لهم أوّلاً، وبهمتهم ثانياً – إنجاز كثير من الأعمال التي يستعظم بعضها من قعدت به همته ويظنها خيالاً. وأعظم مثال على هذا: سيرة المصطفى (ص)؛ إذ أنّ المعروف عند أهل التواريخ أن بناء الأُمم يحتاج إلى أجيال لتحقيقه، لكنه (ص) استطاع بناء خير أمّة أخرجت للناس في أقل من ربع قرن، واستطاعت هذه الأُمّة أن تنير بالإسلام غالب الأجزاء المعروفة آنذاك، وجهاده (ص)، وعمله، وهمته العالية في بناء الأُمّة أمرٌ معروف، وهو مما تقاصر عنه أطماع أهل الهمّة العالية، وخيالاتهم، وما يتطلعون إليه.
صاحب الهمّة العالية يُعتمد عليه، وتناط به الأمور الصعبة وتوكل إليه، وهذا أمر مشاهد معروف؛ فإن كلّ رؤساء ومدراء الجمعيات والمؤسسات يطمحون للعمل مع صاحب الهمّة العالية، ويطمئنون له، ويسعدون به، كيف لا وهو عوض عن فريق من العاملين.
صاحب الهمّة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة، وتكون أوقاته مستثمرة بنّاءة وهذا هو مطمع الصالحين، ومراد العالمين، ومجال المتنافسين.
· يذكر أحد المتخصصين في آليات التحفيز موضحاً حال أهل الهمّة مع وقته:
يقول المتخصص العالمي د. ماردن: "كلّ رجل ناجح لديه نوع من الشِّباك يلتقط به نحاتات وقراضات الزمان، ونعني بها فَضَلات الأيام والأجزاء الصغيرة من الساعات مما يَكنِسه معظم الناس بين مهملات الحياة، وإنّ الرجل الذي يدَّخر كلّ الدقائق المفردة، وأنصاف الساعات، والأعياد غير المنتظرة، والفسحات التي بين وقت وآخر، والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد مضروبة لهم، ويستعمل كلّ هذه الأوقات، ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن".
صاحب الهمّة العالية قدوة للناس، صاحب الهمّة قدوة في مجتمعه، ينظر إلى حاله القاعدون، وأنصاف الكسالى والفاترون؛ فيقتدون بهمته، ويرون ما كانوا يظنونه أمراً مسطوراً في الكتب القديمة واقعاً متحققاً في حياتهم، فيظل هذا الشخص باعثاً لهمة المجموع.
آلية تطوير الهمة:
أوّلاً: اعتراف الشخص بقصور همته، وأنّه لابدّ له أن يطورها، ويعلو بها:
وهذا أمر أَولِيّ على المستوى التفكيري والنفسي، ومن ثَمّ لابدّ أن يعتقد أنّه قادر على أن يكون من أهل الهمّة العالية، فهذان الأمران:
1- الاعتراف بقصور الهمّة.
2- الإعتقاد بإمكانية تطويرها.
هذان العاملان مهمان ولابدّ منهما في محاولة تطوير الهمّة، وبدونهما لا يكون الشخص قد خطا خطوات صحيحة.
ثانياً: خطوات عملية:
1- مصاحبة صاحب الهمّة العالية، إذ كلّ قرين بالمقارن يقتدي، والنظر في أحواله وما هو عليه، وكيف يختصر له الزمان اختصاراً؛ نافعاً مفيداً. وهذا من اعظم البواعث على علو الهمّة؛ لأنّ البشر قد جبلوا على الغيرة والتنافس، ومزاحمة بعضهم بعضاً، وحب المجاراة في طبائع البشر أمر لا ينكر.
2- مراجعة جدول الأعمال اليومي، ومراعاة الأولويات، والأهم فالأهم، وهذا أمر مفيد في باب تطوير الهمّة، إذ كلَّما كان ذلك الجدول بعيداً عن الرتابة والملل؛ كان أجدى في معالجة الهمّة.
3- التنافس والتنازع بين الشَّخص وهمته، تصميم من يريد تطوير همته أن يضيف أعباءً وأعمالاً يومية لنفسه، لم تكن موجودة في برنامج حياته السابق، بحيث يحدث نوعاً من التحدي داخل الإنسان لإنجاز ما تحمله من أعباء جديدة، ويجب أن تكون هذه الإضافة مدروسة بعناية وإحكام، حتى لا يصاب الشخص بالإحباط واليأس. ويحسن اختيار هذه الأعباء الجديدة بحيث تبلغه الكمال مثل صلاة الليل. الإمام عليّ (ع): "ماتركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبيّ (ص): صلاة الليل نور".
4- الدأب في تحصيل الكمالات والتشوق إلى المعرفة: فمن رضي بمستواه العلمي ولم ينفر من الجهل (.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ...) (الزمر/ 9)، أو كان قانعاً بحاله وما هو عليه فكيف تكون له همة أصلاً؟!
ولذا نجد الرسول الأكرم (ص) يحثنا على طلب العلم حتى لو تطلب هذا جهد جهيد "اطلبوا العلم ولو في الصين".
مؤشرات علو همة الشخص:
1- تحرّقه على ما مضى من أيامه.
2- كثرة همومه.
3- تألمه لحال المسلمين، وما يجدون من ظلم.
4- مثابرته للعمل.
5- نشاطه الحركي.
6- اعتماده على نفسه.
7- طموحه العالي.
8- تقديمه النصيحة.
9- وتقديم الحلول والاقتراحات.
10- طلبه للمعالي والتميز دائماً فيما يفعله، أو يتعلَّمه، أو يصلحه.
11- كثرة شكواه من ضيق الوقت، وعدم قدرته على إنجاز ما يريده في اليوم والليلة.
12- قوة عزمه وثبات رأيه وقلة تردُّده: فهو إذا قرر أمراً راشداً لا يسرع بنقضه بل يستمر فيه، ويثبت عليه حتى يقضيه ويجني ثمرته، ولا شكّ أن كثرة التردُّد ونقض الأمر بعد إبرامه من علامات تدني الهمّة.
قيل: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتردّدا.►
المصدر: كتاب التحفيز الإيماني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق