لبيب الشهابي
◄حياة رسول الله محمد (ص) مدرسة حافلة تنبض بالحياة في أدق تفاصيلها وجزئياتها، فعلى أي صعيد يمكنك أن تجد في شخصيته الفذة مدرسة قائمة بذاتها، فعلى صعيد الأسرة كان (ص) رب أسرة ناجح زرع أسمى مبادئ الرفق بالمرأة وكفل لها حقوقها ومكانتها، وكان عادلاً بين زوجاته حتى جعل منهنّ مدارس للأمة.
لقد كانت حياته منذ بدأ الدعوة حافلة بالدروس والمواقف العظيمة، فموقفه من الرق وتحريره للعبيد الذين كانوا يرزحون تحت نير الاستعباد الجاهلي ومطالبته بتحسين أحوالهم وعدم الاكتفاء بتحريرهم درس كبير في حقوق الإنسان، فلم يكن يفرق بين مسلم ونصراني ويهودي ومجوسي ففي نظر النبي محمد (ص) كلهم بشر ولهم حقوق في دولته، ولكنه كان يرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.
لقد كان رسول الله في قومه كأحدهم يشاورهم في أمور الحرب والسلم ويساهم معهم في حل أمور دينهم ودنياهم، كان غير مستبد برأيه ولا متعصباً له ومرد ذلك رغبته الأكيدة في الحفاظ على وحدة الصف والكلمة وصفحات التاريخ ملأى بأمثلة لسنا هنا في وارد تعدادها.
ونورد هنا مقولة للزعيم الهندي غاندي إذ يقول (وإني على يقين تام أنّ الإسلام لم ينتشر بقوة السيف، بل انتشر بقوة أخلاق نبيه الكريم وببساطة حياته الطيبة، وبما كان يحمل هذا الرسول الكريم من روح التضحية والمحافظة على العهود والاتكال على الله وحده، فكان مثال الرأفة والرحمة بالناس على العموم وبمن آمن بالله ورسالته على وجه الخصوص).
إن ما قاله الزعيم الهندي غاندي في حق رسول الله (ص) دليلٌ على أنّه متتبع لسيرة رسول الله ومواقفه مع أصحابه حتى تأكد أن شخصية رسولنا الكريم هي التي أسهمت في نشر دين الله وكيف أنّه توكل على الله وحده بما يحمله من روح التضحية والمحافظة على العهود وكيف كان مثالاً للرحمة بالناس من آمن منهم بخاصة والباقين بعامة، هذا غاندي غير المسلم درس حياة رسولنا الكريم وأخذ منها منهجاً يسير عليه في حياته، ونجح في طرد الاستعمار البريطاني من أرضه، أفلا يجدر بنا ونحن أهل الإسلام وعشاق أهل بيت محمد (ص) أن نبحر في سيرة رسولنا وهادينا محمد (ص) لنجعلها استراتيجية لنا على أرض الواقع نسير بهديها في حياتنا، نتعلم منه الرحمة، نرى كيف كان يحترم الصغير ويوقر الكبير، كيف كان يعامل زوجاته، كيف كان رحيماً حتى بأهل الذمة الذين لا يدينون بدينه وكيف كان يعاملهم على أنهم مواطنون محترمون مكفولة حقوقهم وكيف أعطاهم حق المواطنة كاملاً غير منقوص.
يجدر بنا في كل جنبات حياتنا أن ندرس سيرة رسولنا الكريم ونرى كيف كان يفعل فنفعل ونرى ما كان يتجنب فنتجنب إلى السيد والمسود، إلى الأم والأب، إلى الصغير والكبير، إلى الذكر والأنثى، إلى المسلم والكافر، إلى المؤمن والفاسق، إلى العربي والأعجمي، إلى كل إنسان على هذه الأرض أياً كان.. إن سيرة رسولنا وحبيب قلوبنا محمد ورسالته التي جاءت مكملة وخاتمة لسائر الديانات السماوية هي فكر يصلح لكل زمان ومكان جاء للإنسانية جمعاء ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويرسم لها طريق عزتها وكرامتها.
إلى من يتصدون للدعوة والإرشاد، وأولئك الذين يتصدون للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى التربويين والقادة دونكم رسول الله وسيرته العطرة.
لقد كانت سيرة محمد (ص) منهجاً متكاملاً للحياة فليس هناك من جنبة حياتية لم تتطرق إليها، ولكم في شهادة غير المسلمين من مستشرقين وممن لم يؤمنوا بالإسلام خير دليل على أن رسالة محمد (ص) جاءت للإنسانية جمعاء دون استثناء، ومرد ذلك إلى شخصيته التي قل نظيرها في سابق عهده ولاحقه وفيها رد على المتخرصين والكاذبين الذين يدعون أن محمداً نشر دينه بقوة السيف وسفك الدماء.►
*كاتب بحريني - المنامة
ارسال التعليق