• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (ع) حمل الرسالة دعوةً وجهاداً

الإمام الحسين (ع) حمل الرسالة دعوةً وجهاداً

◄شخصيات مثل الإمام الحسين (ع) وأبو الفضل العباس والإمام زين العابدين (ع).. هي شخصيات إسلامية كانت لها تضحياتها وعطاءاتها للأُمّة كلّها، وقد علَّمت الأجيال معنى التضحية والإيمان وصلابة الموقف والتزام الحقّ، ولقد كان الإمام الحسين (ع) قدوة ورمزاً للرسالة في السياسة والجهاد وفي الروحانية وفي الإخلاص.

وقد اجتمع هؤلاء؛ الأب والابن والأخ، في كربلاء، ونحن عندما نقف أمام هذا التاريخ لنأخذ منه زاداً لحياتنا، عندما تفتقد حياتنا الروحانية، فإنّنا نجد فيهم روحانية الإسلام، وعندما تفتقد حياتنا مواقع التحدّي والشجاعة، فإنّنا نجد فيهم بطولة الإسلام، وعندما تتحرَّك حياتنا لتبحث عن الخطِّ المستقيم، فإنّنا نجد الخطَّ المستقيم عند كلِّ هؤلاء.

وفي هذا الجوِّ، نبدأ من الإمام الحسين (ع) الذي لابدّ من أن ندرس حياته عندما كان يعيش مع أبيه، وفي كلِّ التحدّيات التي عاشها، والمواقع التي واجهها في كلِّ ساحات الصراع الإسلامية، عندما أراد الإمام عليّ (ع) أن يؤكِّد موقف الإسلام على أساس الصلابة في الموقف، والاستقامة في الخطِّ، ولذلك قالوا عنه كما يُقال الآن، إنّه متشدِّد، وإنّه لو ولي الخلافة لحمل الناس على المحجَّة البيضاء، لأنّه كان يتحرَّك في خطِّ الحقّ..

وهكذا أخذ الإمام الحسين (ع) درس الصلابة في الموقف، والشجاعة في قول الحقّ، ومواجهة كلِّ ساحات الصراع من أبيه، وعاش التجربة مع أخيه الحسن (ع)، والتي فَهِمَ فيها الناس فِهماً حقيقياً، عندما انطلقوا يلفّون ويدورون لخذلان الحقّ، والعمل ليربطوا بينهم وبين الباطل بجسرٍ من تنازلاتهم، ورأى أنّه لابدّ من تجميد الحرب لمصلحة الإسلام، حتى يبرز الموقف بفرصةٍ جديدة، وهكذا دافع الإمام الحسين عن صلح الإمام الحسن. ولهذا علينا أن لا نستسلم أمام بعض التعبيرات التي تقول إنّ هناك طريقة حسنية وطريقة حسينية. لقد انطلق الإمام الحسن (ع) والإمام الحسين (ع) من أسلوبٍ واحد، ولكن كانت هناك مرحلة في حياة الإمام الحسن فرضت هذا الأسلوب، الذي هو أسلوب حسني وحسيني، وهو أسلوب إسلامي، ثمّ جاءت مرحلة أُخرى فرضت أن يقف الإمام الحسين وقفة رائعة ليصدم الواقع الإسلامي بثورته الإسلامية.

وفي ضوء هذا، فيما نريد أن نتمثَّله من ثورة الحسين (ع)، والناس عادةً يأخذون من ذلك الموقف الجهادي العسكري، ولا يأخذون الخطَّ الجهادي في المسألة الرسالية، فعندما نريد أن ندرس حركة الإمام الحسين (ع)، فإنّنا لا نستطيع أن نفصل بين الخطِّ السياسي والخطِّ الجهادي والخطّ الروحي، فالحسين مجمع هذه الخطوط كلّها، لأنّه انطلق من موقع الإسلام في تكامله، وانفتح على الله في كلِّ روحانية العبادة.. وهكذا أراد الإسلام للناس أن يتحرّكوا في خطِّ الدعوة معه تعالى، كما أراد لهم أن يجاهدوا عندما تُفرَض عليهم المعارك من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين وحقوق المستضعفين في كلِّ مكان.

لهذا، نحن لا ننظر إلى موقف الإمام الحسين (ع) من خلال الصراع العسكري في كربلاء فحسب، فعندما نستذكر يوم عرفة، نرى كيف عبَّر في دعائه في هذا اليوم عن تواضعه لله وانسحاق إرادته أمامه، وكيف تحدَّث الرواة عنه، حيث كان الإمام الحسين (ع) يدعو، والناس يدعون ويضجّون بالبكاء؛ هذا الموقف الذي يبدأ بالانفتاح على الله، ويعبِّر فيه عن حبّ الله الذي عاش في قلبه حتى مثَّل ذلك عمق شخصيته، ولها نراه وهو يتلقَّى دماء ابنه الرضيع يقول: «هوّن عليَّ ما نزل بي أنّه بعين الله»، وعندما سقط عن فرسه قال: «باسم الله وبالله وعلى ملَّة رسول الله».

هذه هي الروح التي عاشها الإمام الحسين مع الله، وهذه الروح هي التي دفعت الإمام الحسين إلى أن يتحرَّك وينطلق، فوقف أمام الناس ليقول: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدِّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، لم يطلب ملكاً، وإن كان الملك من حقِّه، فهو لم يفهم الملك امتيازاً ذاتيّاً، بل كان يفهمه كما فهمه أبوه عليّ (ع) عندما قال لابن عبّاس عندما كان يخصف نعله: «لهي أحبّ إليَّ من إمرتكم، إلّا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً».

وهكذا كانت قضية الإمام الحسين (ع)، أنّه خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه، لأنّ الواقع الإسلامي في تلك المرحلة كان واقع الناس الذين يصلّون من دون أن يكون للصلاة معنى في تقوى الله، وهكذا في الصوم والحجّ وكلِّ العبادات، كانوا يمارسون العبادات، ولكنّهم كانوا يقفون موقف الحياد في الصراع بين الحقِّ والباطل، وكانوا يفكِّرون في سلامة حياتهم أكثر ممّا يفكِّرون في مسألة آخرتهم.

وخاطب الإمام الحسين (ع) الناس، ودعاهم إلى نصرته على أساس إصلاح الواقع وإحقاق الحقّ، ووقف الناس بين جماعتين: جماعة أشفقت عليه، وكانوا يحدِّثونه عن سلامته ونفسه، وهو كان يحدِّثهم عن سلامة الإسلام ورسالته. ووعندما انطلق في مسيره، وساروا معه وهم يُخيَّل إليهم أنّه سيحصل على الملك، قال لهم إنّ الطريق في نهايته لا يحمل فرص النصر، بل فرص الشهادة، وهكذا تفرَّق عنه الناس الذين ساروا معه في مكَّة، ولكنّه سار بهذه القلَّة التي كانت صفوة المجتمع الإسلامي.

وجماعة وقفت ضدّه، والتي كانت الأكثرية؛ أكثرية العدوّ، حيث كانت قلوبهم معه وسيوفهم عليه، ككثيرٍ من الأكثريات في ساحات الصراع في الواقع.

وهكذا ربط الإمام الحسين (ع) ثورته بمسألة الإصلاح في أُمّة رسول الله، وانطلق ليؤكِّد عمق حركته في الواقع الإسلامي، وركَّز لنا العنوان السياسي الذي ننطلق فيه في كلّ مواقع الصراع: «إلّا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة..!». وهكذا ترك خطّاً لكلِّ الثائرين من أجل الحقّ، ولكلِّ الذين يتمرَّدون على كلّ واقع يريد أن يفرض عليهم الذلّ والظلم والانحراف.

ذلك هو الخطّ الحسيني الذي يتحرَّك في الخطّ الإسلامي كلّه. وفي داخل هذا الخطّ، تحرَّك أبو الفضل العباس (ع)، الذي يضرب المثل ببطولته ووفائه، والذي دافع عن الدِّين وعن إمام هذا الدِّين.. وهكذا كان العباس مثالاً لكلِّ هؤلاء الشباب الذين تحوَّلت الرسالة إلى مواقف في حياتهم، وهكذا نلتقي بالإمام زين العابدين (ع) الذي كان مريضاً في كربلاء، واستمرَّت به هذه السلسلة من أهل البيت (ع)، وانطلق بعد ذلك ليعطي الناس من أخلاقه وعلمه وروحانيته. وعلى هذا الأساس كلّه، نعرف أنّ طريق الإسلام في خطِّ أهل البيت (ع)، هو الطريق الذي يعطينا كلَّ عناصر الوعي والروحانية واللقاء بالله.

إنّ أهل البيت (ع) عاشوا رسالتهم بكلِّ الوسائل التي يملكونها، وعلينا أن نعيش رسالتهم بكلِّ الوسائل التي نملكها، لقد كان الإسلام عنوان رسالتهم وسياستهم وجهادهم، وعلينا أن نسير على خطّهم لنحبّهم حبَّ الإسلام، لا حبّاً ذاتياً.

وعندما تريدون أن تخلصوا لأهل البيت (ع)، وأن تلتزموا ولاية أهل البيت (ع)، فإنّ الإخلاص لهم هو الإخلاص للإسلام، وإنّ ولايتهم هي الولاية للإسلام، وقد قالها الإمام الباقر (ع): «مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ».. ليست مسألة الولاية مسألة عصبية، وإنّما هي خطّ في خطّ الإسلام، من أخذ به نجا، حتى ولو كان كلّ أجداده كفّاراً، ومن انحرف عنه سقط، حتى لو كان كلّ أجداده مؤمنين.. ليست المسألة مسألةً وراثيةً أو جغرافية، بل كيف تفكِّر وماذا تعمل ومَن هو قدوتك في الحياة.

لقد حمل أهل البيت الرسالة، وأعطوا كلَّ ما عندهم في سبيلها.. حملوها دعوةً وعلماً وجهاداً، حتى أعطوا كلَّ ما عندهم في هذا الخطّ، فماذا نصنع نحن؟ لقد عاش الإمام الحسين ثورته، وعاش العبّاس بطولته، وعاش الإمام زين العابدين إمامته في خطِّ الإسلام، فماذا عنّا نحن؟.►

ارسال التعليق

Top