عاش الامام الحسن عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله في طفولته الأولى ليحتضنه الرسول فيلقي إليه في كل يوم من عقله عقلا ومن روحه روحا ومن خلقه خلقا ومن هيبته وسؤدده هيبة. تذكر كتب السيرة أن الحسن عليه السلام كان يحضر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وعمره سبع سنوات، وكان يستمع إلى جده ويحفظ ذلك كله، ويأتي إلى أمه فاطمة الزهراء عليها السلام يحدثها بذلك، وكان علي عليه السلام يأتي إلى البيت ويجد كل ما تحدث به رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسلمين في المسجد عند فاطمة، فيقول لها: من أين لك ذلك ؟ فكانت تقول: إنه من ولدي الحسن عليه السلام مما يدل أنه كان ينفتح على علم رسول الله صلى الله عليه وآله ويعيش اهتماماته به.
وجاء في كتب السيرة أن الحسن عليه السلام كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خَلقا وخُلقا، وكان الناس إذا اشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد غيبته فإنهم ينظرون إلى الحسن عليه السلام ليجدوا فيه شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأجمع الرواة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة «وعندما نستنطق هذه الكلمة فإنها تعني كل ما قام به الامام الحسن عليه السلام فإنه يمثل الشرعية الاسلامية بكل مفرداتها وان كل ما قام به الامام الحسين عليه السلام يمثل الخط الاسلامي بكل استقامته لأن من كان سيدا لشباب أهل الجنة لا بد ان يكون معصوما في فكره وفي حركته وفي كل منطلقاته وفي الجنة يوجد الذين اصطفاهم الله تعالى للقرب منه.
مع أمه الزهراء عليها السلام: وعاش الحسن عليه السلام مع أمه فاطمة الزهراء عليها السلام المعصومة بشخصيتها وبالايمان العميق وبالمعرفة الواسعة وبالاخلاق العالية وبالروحانية الصافية والإرادة الصلبة والشجاعة الجريئة فأخذ منها ذلك كله مما كانت ترضعه إياه من لبن الروح والجسد، وكان يناجيها وهو يتطلع إليها بكل صفاء طفولته ونقاء روحه وهي تقوم الليل حتى تتورم قدماها وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات وينطلق الحسن عليه السلام ليقول لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك ؟ فتقول يا بني الجار قبل الدار. مع أبيه الامام علي عليه السلام: وانطلق مع أبيه عليه السلام القمة في العلم والفكر والروح والايمان والزهد والتقوى والشجاعة والرسالية الممتدة في كل مجالات حياته والمحبة لله ولرسوله، والانفتاح على الاسلام والمسلمين بكل عناصر شخصيته، أمين الله في أرضه وحجته على عباده في كل ما عاشه وفي كل ما انطلق فيه، فقد باع نفسه إلى الله وكان يقول للناس: «ليس أمري وأمركم واحد، إني أريدكم لله وتريدونني لأنفسكم «. وهكذا عاش الحسن عليه السلام معه ابنا يتعهده بكل وصاياه ويرعاه بكل روحانيته ويتحرك معه بكل ما ينفع مستواه وينمي عقله ويغذي روحه ويركز موقعه ويثبت موقفه وصديقا يسير معه أينما يسير ويناجيه بكل أسراره في الليل والنهار ويدفعه إلى أن يتحمل المسؤولية معه في خارج الحكم وداخله ويعتمد عليه في إفتاء الناس بكل ما يشكل عليهم أمره من أحكام الله تعالى لأنه يريد أن يعرف الناس بأنه الحجة بعده والعالم بالاسلام كله فلا يخطئ في حكم ولا ينحرف في فتوى لأن قوله قوله وفعله فعله. وكان يعيش عظمة أبيه عليه السلام من خلال التجربة الحية التي عاشها معه ومن خلال المعرفة الواسعة التي استطاع ان يحصل عليها في كل تحديقة وفي كل انفتاحة عليه.
في مواقع المسؤولية: الحسن عليه السلام كان يتقلب في أحضان علي وفاطمة عليهما السلام وعندما يكون الاستاذان المربيان مثل علي وفاطمة عليهما السلام فإننا نعرف طبيعة الانسان الذي يعيش في حضنيهما، فعاش مع أمه فترة صباه الأول، ورأى كل الاحداث التي حصلت في بيت أمه وأبيه وذاق مرارتها. ثم عاش مع أبيه علي عليه السلام ورأى كيف أُبعد عليه السلام عن موقعه الذي جعله الله فيه، وكيف صبر صبر الأحرار من أجل قضية الاسلام والمسلمين، حيث كان يسمع أباه يقول: «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة «. فاختزن الحسن عليه السلام كل ذلك حتى انطلق شابا في خط المسؤولية مع أبيه ــــ أرسله وهو يثق بعقله وعلمه وروحيته وإخلاصه ولبقاته ــــ الى الكوفة من أجل أن يحل المشاكل التي حدثت على أيدي بعض الناس المعارضين لعلي عليه السلام وقام بالمهمة خير قيام. وكان الناس يسألون عليا عليه السلام عن كثير من أمور الاسلام في مفاهيمه وأحكامه فكان يقول لهم: اسألوا ابني الحسن عليه السلام فإن لديه ما يحل مشاكلكم ويعرفكم الحق كما هو. الموعظة الأخيرة: إن آخر موعظة أطلقها الامام الحسن عليه السلام في مرضه الذي توفى فيه نتيجة السم فقد ذكر الرواة أن جنادة بن أبي أمية قال له: عظني يا ابن رسول الله، قال: { استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك } واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه. وأعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم ان الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة ميتة خذ منها ما يكفيك فإن كانت حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كانت حراما لم يكن في وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة وإن كان العقاب فالعقاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل. وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من اذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وان قلت صدق قولك وان صلت شد صولتك وان مددت يدك بفضل مدها وان بدت منك ثلمة سدها وان رأى منك حسنة عدها وأن سألته أعطاك وان سكت عنه ابتدأك وأن نزلت بك إحدى الملمات واساك من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق وان تنازعتما منقسما آثرك. وهذه هي ذكرى الامام الحسن عليه السلام التي تربطنا بالله وبالحياة وبالانسان وبكل ما يحقق لنا السعادة في الدنيا والآخرة. وتلك هي سيرة أهل البيت عليهم السلام في كل مواقفهم وفي كل تطلعاتهم وفي كل دعواتهم إلى الله وفي كل سلوكهم في الحياة إنهم يجسدون الاسلام في كل ما قالوه وفي كل ما فعلوه، لقد كانوا ثورة على الظلم وثورة على الاستكبار كله وكانوا منفتحين على المستضعفين كلهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق