• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسلام.. دين تسامح ورحمة

عمار كاظم

الإسلام.. دين تسامح ورحمة

قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 28). يُعتبر الإسلامُ نقيضَ العنف والقمع لأنّه دين التسامح والرحمة والعفو، وهو الدِّين الذي ينبذ كافّة أشكال العنف والإكراه والقسوة في كافّة مجالات الحياة، وعلى ذلك سيرة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ومن قبلهم كافّة الأنبياء والرُّسل الذين دعوا الناس إلى الله مملؤة بالرحمة والعفو والتسامح وكلّ القيم الإنسانية. العنف في الاصطلاح هو استخدام القوّة والشدّة والقسوة استخداماً غير مشروعٍ، ومن آثاره إلحاق الأذى بالآخرين جسدياً أو نفسياً، بينما الإسلام أصله من السلام أي الصفاء من كلّ الأمراض الظاهرية والباطنية، ولذلك سُمِّيت الجنّة دار السلام، قال تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (الأنعام/ 127)، وقال تعالى: (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) (يونس/ 25). ومَن أرجع أصل الإسلام إلى السلم في مقابل الحرب أو التسليم وهو أداء الطاعة سالمة من الأدغال فمردُّها إلى معنى واحد. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة/ 208)، حيث دلت هذه الآية على أنّ عدم الدخول في السلم اتباعٌ لخطوات الشيطان.

الإسلام نبذ العنف والإكراه في دعوة الآخرين واعتمد أسلوب مخاطبة العقول بالحجج والبراهين ومخاطبة القلوب بالآيات والمواعظ، قال سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125). وفي الحديث النبويّ: «إنّ الله رفيق يحبُّ الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف». ويرسم الإسلام للنبيّ آلية استقطاب الناس وجذبهم واستيعابهم القائمة على مبدأ الرحمة بهم والعفو عنهم والدُّعاء والاستغفار لمذنبيهم، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).

ثمّ إنّ الدعوة إلى الله لابدّ أن تتلقّى ردود فعل من الناس سواء صدرت منهم عن علم أو عن جهل، فأما ما صدر عن علم فمآله إلى الحوار، قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سبأ/ 24)، وأمّا ما صدر عن جهل فقد اكتفى الإسلام بالردّ الجميل عليهم، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان/ 63). وأمّا الكلام اللامسؤول واللغو والهزل فيقابله بالإعراض الإيجابي الذي لا يستفزّ الآخر، قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص/ 55). ويطرح الإسلام مجموعة من القيم ومكارم الأخلاق في إطار التعامل مع الآخرين، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134)، فالمسلم يتحسّس آلام الآخرين في السرّاء والضرّاء، وإذا أُغضب كظم غيظه ولم يخرجه غضبه عن حدود الشرع، ويعفو عمّن أساء إليه، بل أكثر من ذلك فإنّا نرى في الآية تشجيعاً على الإحسان لمن أساء إليك. وفي مقامٍ آخر يبيّن القرآن الكريم ضرورة التحلّي بهذه المناقب والفضائل الأخلاقية، ويربيه على تجاوز سيِّئات الآخرين وعدم التمسك حتى بما هو حقٌّ له حيث يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40). ويبيّن القرآن الكريم محورية هذه الفضائل ومنشأها في النفس ببيان أنّ المهمّة الملقاة على عاتق النبيّ الأكرم هي مهمّة توعية وتذكير وليست مهمّة تسلّط وسيطرة، فلا إكراه في الدِّين ولا عنف في الدعوة، يقول تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية/ 21-22).   وفي السنّة الشريفة بعض الأحاديث التي من المفيد بيانها: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلّا زانه ولا نزع عن شيء إلّا شانه». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو كان الرفق خُلقاً يُرى ما كان ممّا خلق الله شيء أحسن منه». وعن الإمام الصادق (علیه السلام): «مَن أراد أن ينال ما عند الناس فعليه بالرفق، ومَن كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس».

ارسال التعليق

Top