• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإرادة القوية

عبدالله أحمد اليوسف

الإرادة القوية
◄الإرادة الفولاذية من المقومات الرئيسة لصنع النجاح.. فالإنسان في حياته يعيش صراعاً من أجل البقاء، ولن ينتصر في هذا الصراع إلا مَن تسلّح بإرادة لا تقهر.

أمّا ضعيف الإرادة، فلابدّ وأن يهزم في معركة الحياة، والحياة كلها معركة، ولا مهرب لك من التصارع اليومي في هذه المعركة، ومن المؤكد أنّ المنتصر الوحيد فيها هو المتسلِّح بالإرادة الحديدية.

 

-        تعريف الإرادة:

يُقال: أراد الإنسان الشيء يريده إرادة: إذا مال إليه ورغب فيه، ولفظة (الإرادة) منقولة من راد يرود، إذا سعى في طلب الشيء.

ويرى الإصفهاني في (مفردات القرآن) أنّ الإرادة في الأصل قوّة مركبة من شهوة وحاجة وأمل، وجُعلت إسماً لنزوع النفس إلى الشيء، مع الحكم فيه بأنّه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، وقد يُراد بها القصد، كما في قوله تعالى: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلذينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً في الأرضِ وَلا فَسَاداً والعاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) (القصص/ 83).

والإرادة بالمعنى الأخلاقي هي الرغبة في الخير والسعي إليه والحرص عليه، ولذلك قيل إنّ الإرادة هي إرادة التقرُّب إلى الله، أي إرادة طاعته الموجبة لثوابه.

وهناك تعريفات كثيرة للإرادة، منها: أنّ الإرادة هي المقدرة، ومنها أنّ الإرادة هي بذل الجهد، ومنها أنّ الإرادة هي السيطرة على النفس.

وفي نظري: إنّ الإرادة هي تلك القوّة الخفية القادرة على بعث روح القوّة والعزم والتصميم في شخصيتك.. فالإرادة ليست شيئاً مادياً، وإنما هي قوّة معنوية تبعث فيك روح القوّة.. بكل ما للقوّة من معنى.

 

-        الطريق نحو القمة:

مَن مِنّا لا يرغب في الوصول إلى القمة؟!

قمة النجاح.. قمة السعادة.. قمة التقدُّم...

أجل.. مَن مِنّا لا يرغب في ذلك؟!

لا أحد.. بالطبع..

ولكن.. الطريق نحو القمة.. يتطلب مؤهلات محددة، من أهمّها: قوة الإرادة.. بالإرادة القوية تصل للقمة.

وكم هم كثيرون أولئك الذين تساقطعوا في بداية الطريق..

وكم هم كثيرون أولئك الذين تساقطوا في وسط الطريق..

وكم هم كثيرون أولئك الذين تساقطوا في نهاية الطريق..

تساقطوا جميعاً.. كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف..!!

لا.. لشيء.. سوى لوهن إرادتهم.

فالوصول للقمة بحاجة إلى إرادة لا تلين.

لنبحث عن سر نجاح أولئك العظماء الذين صنعوا التاريخ..

"فهناك في كل أُمّة ومجتمع، رجال عظام ونساء عظيمات، استطاعوا أن يحققوا أشياء في حياتهم، وحياة الآخرين من حولهم، كانت من قبل خيالاً في الأذهان، أو وهماً من الأوهام.

هناك رجال ونساء يتحدّث التاريخ عن مآتيهم بإعجاب وإكبار، ويذكُرهم الناس بتجلة واحترام، ولهم من المآثار والآثار ما لا يزال ممتد الأثر والتأثير في عصرنا هذا، فكأنهم غلبوا الموت، وقهروا الفناء، واستطاعوا أن يحيوا خلال الزمن وأبعاد الفضاء في كل زمان، وفي كل مكان.

هناك أبطال وعلماء وحكماء وأدباء وشعراء ومصلحون وساسة وفنانون، لا تزال الإنسانية تتغذى بما أعطوا نم فكر، وقدموا نم مثل صالح، وأحيوا من موات النفوس، وعالجوا من مشاكل الفرد والمجتمع، وخدموا في مختلف الحقول، وناضلوا في مختلف الميادين ودفعوا بالكائن البشري في سبيل المعرفة والحكمة والرقي.

هؤلاء جميعاً، ممن سبق أو لحق، كانوا قبل كل شيء ذوي إرادة، وكانت إرادتهم العامل الأوّل فيما حققوا وانتهوا إليه من مجد ورفعة وخلود".

فالنجاح إذن إرادة، ولهذا يقول علماء النفس إنّ تربيتها التربية الحسنة هي أعظم ما يستطيع الإنسان أن يفعله متى رام النجاح.

ولذا، فعلى كلّ مَن ينشد النجاح، ويتطلع نحو الوصول للقمة، عليه أن ينمي في شخصيته الإرادة، لأنها الطريق نحو القمة.

لقد وصل الرسول الأعظم محمد بن عبدالله (ص) إلى القمة، لأنه كان المثل الأعلى لقوة الإرادة والعزم الجبار، فقد وقف صامداً أمام كل التحدِّيات، وقاوم كل خرافات وأفكار وعادات الجاهلية، وتصدّى بعزم وتصميم لكل الأعداء، وصبر على أذى المشركين والكفار، وناضل بإرادة جبارة في سبيل مبادئه وأهدافه، وأعلن موقفه الذي لا يتغير بقوله: "واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى أموت أو يظهره الله".

بهذه الإرادة العملاقة، وبهذا التصميم القوي تغلب على جميع الأعداء، فحطَّمَ الأصنام، وأباد قوى الشرك، ورفع كلمة لا إله إلا الله عاليةً خفّاقةً في جميع أصقاع الأرض، وهاهو اليوم يلهج بذكره الملايين من البشر في كلّ مكان وزمان.

إنّ قوّة الإرادة هي سر نجاح الكثير من القادة والزعماء والعظماء، يقول أمرسن: "إنّ قوة الإرادة سر النجاح، والنجاح غاية الوجود، فإنّ قوة إرادة نابليون، وكرنت والإسكندر وغيرهم من رجال التاريخ هي التي خلدت أسماءهم، وإنّا لنرى عدداً كبيراً من رجال التاريخ لم ينتج انخذالهم على ما اشتهروا به من الشجاعة والحنكة والذكاء إلا عن ترددهم، وضعف إرادتهم، وأنّ من المحال أنْ ندخل معترك الحياة، ونرجو الفوز فيها دون أن تكون لدينا إرادة قوية".

ويقول ديكارت: "ليس في الإنسان ما هو لاصق بشخصيته أكثر من الإرادة". وأبلغ مثل على أهمية الإرادة ودورها في نجاح الإنسان لويس باستور ذلك العالم العظيم الذي أقام في أعماقه مثلاً أعلى جاهد في سبيله حتى مكّن الحياة من التفوُّق على ذاتها.

لم يعرف في طور العلم وهو صغير بذكاء القلب ورجاحة الأحلام.. لم يعرف بإمتياز العقل، وكان معلمه يقول عنه: "ولد وديع رقيق، ولكنه بعيد كل البُعد عن الذكاء"، ولكن بالإرادة حاز الشجاعة، ونهض فيما بعد بالتبعات الجسام التي شعر أنه مكتوب عليه أن يلتمس طريقه في خضمها.

كان الفشل ما تنبأ به له معلمه، ولكن رأيه هو في ذات نفسه كان حسناً.

وتقدّمت بباستور السن فأصبح رجلاً فرضت عليه رجولته احتمال الصعاب والصبر على العذاب، وكانت إرادته هي سلاحه في جهاده.

رأى معلمه فيه الفشل المجسم، ولكننا سمعناه مرّة يقول له زاجراً بعد ما ضيق عليه الفتى الخناق بأسئلته: "أضجرتني، أضجرتني.. لا تلحّ، لا تسأل، واجبك كتلميذ أن تجيب"!

ولقد سجل عليه قوله بعد سنين: "أهم كلمات هي ثلاث: الإرادة والصبر والعمل، إنها حجر الزاوية وسأقيم عليها بنائي في الحياة"، وقال أيضاً: "بالإرادة نفتح مصاريع الأبواب.. بالإرادة نفتح باب العمل الناجح، ونعبر في رحلة طويلة تتطلب الصبر والإيمان والتشوف.. ولا نعتم أن نصل إلى النجاح".

طلب أبوه له العلم رغم رقة حاله، بيد أنّ المرض داهمه، فعاد أدراجه إلى بيت أبيه الصغير.. وبعد أن استردّ صحّته وقوّته استأنف مسيرة التحصيل، حتى بلغ منه غايته وقد لسعته عقارب الجوع فيما هو جاد في التحصيل، وذكر هذا في يومياته، وقال: "الجوع يضورني، والصداع يقتتل في رأسي، ولكن الجوع ينسيني الألم، والألم ينسيني الجوع".

بإرادة مضى يخترق جبالاً من الصعاب، بالإرادة مشى قدماً، وأثبت ما عزمت عليه نفسه بقوله: "لا أتردد عن التضحية بنفسي إن دعاني إلى ذلك داعي الواجب أشعر به يتكوّن ويتجسّد".

وتشهده الأيام ينكب على أبحاثه الكيميائية، ويستغرق في إختباراته وتجاربه، حتى أنه في يوم زواجه تَجمَّع الناس وانتظروه.. وانتظرته عروسه.. وتأخّر العريس، وأسرع صديق له إلى بيته فوجده عاكفاً على عمله، غارقاً بين أنابيبه وقواريره، فصاح في غضب: "ويحك! أتنسى أنك اليوم تتزوّج"؟! قال: "كلا، كلا".

-        "فماذا تفعل هنا إذاً والناس تنتظر، والعروس تنتظر؟"

-        "ماذا أفعل؟ أتتوقع أن أترك عملاً في نصفه؟"

وصادفه الفشل في أبحاثه، كثيراً ما قضى الأيام والليالي يبحث، وكثيراً ما ذهب تعبه سدى. ولكنه لم ييأس، بل تضاعفت حماسته، واشتدت عزيمته، وكانت إرادته دائماً في عنفوانها.

استخدم العلم ليرقى بالإنسانية.. استخدم العلم لينقذ الإنسان.

وتوجه حياتهه بإكتشافاته العظيمة، وأهمّها التعقيم والتطعيم ضدّ الأمراض والتحصين.. فأنقذ بذلك الملايين من الأمراض السارية، وأنقذ الملايين من داء الكلب.. لقد سَخَّرَ العلم لمنفعة الإنسان.

ابن الدباغ الفقير، بالإرادة أضحى من أعاظم الرجال.. بالإرادة خدم الإنسان والإنسانية.. بالإرادة غدا رجل السلام الذي طالما واجه الإهانة بالإبتسامة!.

وكثير هم العظماء الذين سجل التاريخ أسماءهم، لم يكونوا في البداية من الطراز الرفيع، ولكن بالإرادة استطاعوا أن يحفروا أسماءهم على أعمدة التاريخ، ولن ينساهم التاريخ مادام للدنيا تاريخ.

بيد أنّ هناك أشخاصاً حرموا من أشياء كثيرة.. من المال، من الوجاهة، من العلم، من الأصدقاء، من الجمال.. من كل شيء.. ولكن بالإرادة بلغوا بعد حين القمة!

حقاً.. إنّ الإرادة هي الطريق نحو القمة!

 

-        تنمية الإرادة:

هناك مجموعة من الأساليب لتنمية الإرادة وتقويتها، أهمّها ما يلي:

1-     الإعتماد على النفس:

إنّ اعتماد الإنسان على نفسه ينمي فيه الإرادة، ذلك أنّ الإعتماد على النفس يعني الإستفادة من القدرات الذاتية، بما يملك من علم وصحّة ومواهب وإمكانيات هائلة، هذا الإستناد إلى النفس يبني في المرء قوة الإرادة، بيد أنّ الإعتماد على الآخرين يقتل في الإنسان الإرادة القوية، ويحطم شخصية الإنسان ككيان مستقل، ويعيش رجلاً ضعيفاً لا إرادة له، ولا كيان، ولا شخصية.

"ليس أكثر من الأفراد الذين يصبحون شباناً وكهولاً، من حيث العمر، ولكنهم يظلّون أطفالاً، أو مراهقين من حيث النمو السيكولوجي.. إنّ بعض هؤلاء لم يعرفوا في يوم معنى التحرُّر الحق من فكرة الإعتماد على الأبوين، وقد يكونون متزوجين، وأصحاب أعمال خاصة بهم، ولكنهم مع ذلك بعيدون أكثر البُعد عن الإستقلال السيكولوجي".

وللتربية هنا دور مؤثر جداً.. فبعض الآباء ينزع من أولاده الإعتماد على النفس وذلك نتيجة للتربية الخاطئة، حيث يتدخل هؤلاء في جميع شؤون الطفل من أبسط الأُمور حتى كبيرها مما يُسبِّب انعدام الإستقلال والإعتماد على النفس عنده، ومن ثمّ ينمو الطفل وهو لا يملك أي قدرة على تدبير شؤونه، ويفقد القدرة على مواجهة الحياة.

ولذلك يُحذِّر علماء التربية من مغبة الإفراط في محبة الطفل، وحرمانه من الإعتماد على قدراته الذاتية "احذروا من أن تحرموا الطفل من الفرص المناسبة التي يستطيع من خلالها أن يتعلم بعض التجارب بنفسه، بمعنى أن لا تساعدوه في أداء كل عمل، هذه المساعادات التي تتجاوز الحد المقرر لها أحياناً تعوده على مساعدة الآخرين دائماًن ونشوئه عالةً على الغير، فيفقد قدرته الشخصية في النهاية، ويعجز عن إنقاذ موقفه المتأزم لوحده بسبب من هذا الضعف والتعود على مساعدة الآخرين له".

 

2-     العزيمة والإصرار:

تدل مادة العزيمة في اللغة على القوّة والسرعة والإقدام.. فالعزيمة هي الجري الشديد والعزم هو الجد، والعزم أو العزيمة عقد القلب على الشيء تريد أن تفعله، وهو توطين النفس على هذا الفعل لإعتقاد أنّ الواجب يقضي أن تفعله، ولذلك يقال في لغة القرآن: هذا من (عَزمِ الأُمُور) أي من محكمات الأمور التي ظهر رشدها وصوابها، ووجب على العاقل أن يعزم عليها ويقوم بها، وهذا معنى يدل على الثبات واستقرار النية والتصميم على القيام بالشيء وضد العزيمة هو التردد والإضطراب في الرأي، ولذلك يقال: ما لفلان عزيمة، أي ليس له ما يعقد عليه قلبه، ولا يثبت على شيء لتردده وتلونه، كأنه لا يمكنه أن يصرم أمره، بل يختلط فيه ويتردد.

والعزيمة خلق قرآني، وفضيلة إسلامية، أشار إليها التنزيل المجيد أكثر من مرّة، وم ذلك قول الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه (ص) في سورة آل عمران: (... وشاوِرهُم في الأمرِ فإذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل على اللهِ إنّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ) (سورة آل عمران/ 159). فالخطة واضحة: رأي ومشاورة، ثمّ حسم وعزم، ثمّ توكل على الله إنّ الله يحب المتوكلين.

العزيمة إذن.. قوّة باطنية، وموقف ثابت، ورأي حاسم.. إنّ هذه المكونات هي التي تصوغ الإرادة، وتُنمِّيها.

فلا إرادة لمن لا عزيمة له، لا إرادة لمن لا موقف له، لا إرادة للمتلون بكل الألوان!! وبمقدار ما تملك من عزيمة وإصرار بمقدار ذلك.. تملك إرادة.. وبمقدار ما تملك من إرادة.. تملك قدرة على النجاح.. وما أروع ما قاله المتنبي:

على قدرِ أهلِ العَزمِ تأتي العَزائِمُ*****وتأتي على قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وتَعظُمُ في عينِ الصَّغيرِ صِغارُها*****وتَصغُرُ في عينِ العَظِيمِ العَظائُمُ

والإصرار يعني الإستمرار حتى تحقق ما تريد.. الإستمرار رغم كل العوائق.. الإستمرار رغم كل الظروف.. إنّه الإصرار الذي ينمي الإرادة.. فالإصرار عدو التردد.. إنه يقضي على كل أنواع التردد.. وبالإستمرار في ذلك تنمو الإرادة وتقوى.

وأمّا التردُّد، والتلوُّن، والتخوُّف، فهي مظاهر لمن لا إرادة له.

قيل لرجل جبان في بعض الوقائع تقدم، فأنشأ يقول:

وقالوا: تقدم. قلت: لست بفاعل            أخاف على فخارتي أن تحطما

فلو كان لي رأسان أتلتف واحداً            ولكنه رأس إذا راح أعقما

ولو كان مبتاعاً لدى السوق مثله             فعلت ولم أحفل بأن أتقدما

فأوتم أولاداً وأرمل نسوة                     فكيف على هذا ترون التقدما!

 

3-     التدريب:

تدريب النفس وتمرينها على القيام بالأعمال الشاقة، من الاساليب المهمة لتقوية الإرادة وتنميتها.

فالنفس بحاجة إلى تمارين مستمرة، وتدريب لا يتوقف، للحصول على اللياقة المعنوية "تدرب تدريباً على مراس البطولة وأعمال البطولة، على الجد والإجتهاد، على التفكير والتأمل، على البحث والروية، على القترير والمضي فيما تقرر، ومهما كانت إرادتك هزيلة ورجراجة، جازعة، لا تلبث إذ تدربها، أن تقوى وتشتد وتفرض نفسها عليك، لتفرض نفسك على الحياة والأحياء، من بعد" (سلطان الإرادة/ ص78).

إنّ التمرين والتدريب على الأعمال الشاقة يخلق فيك إرادة لا تقهر.. يقول فريد ستوز وكان من أوائل مَن تعهد محمد علي كلاي في تدريبه على الملاكمة: "فتى اليوم.. ملاكم اليوم يطمح ببصره ولا ينظر ويفكر: سريع.. سريع.. ما إن يبدأ حتى يطلب العلى، يطلب الخلود في وهلة، ينصرف عن التدريب لأن في التدريب محنة وامتحان! التدريب تضحية كبرى، وفتى اليوم يكره التضحية الكبرى.

أمّا كلاي، فقد اتصف بالعزم والمثابرة.. تمرن.. وتمرن.. بلا كلل ولا ملل لم يثنه فشل، أو يثبط عزيمته خيبة! حديدي.. فولاذي.. جوهر صرف.. معدن له رنين.

قال علي بعد المباراة التي هزمه فيها فريزر، بعد أن سمع نتيجة المبارة، قال: شدهت نظرت بعينين ناريتين.. أردت أن أحتج.. لكن ما فائدة الإحتجاج؟ لقد فعلوا ما أرادوه فتربع جو فريزر على العرش ولما دخل البطل الجديد الغرفة بعد دقائق، قال: كنت هائلاً يا صديقي، كنت هائلاً، ولكني قهرت الهائل والهول!

أجبته: كلا، لم تقهر الهائل ولا الهول، هم هدروا الحق، وابتسم غير عابئ بكلامي ومضى لا يلوي!

وبدأت التمرين.. آليت أن أجعل من فريزر عبرة لمن يعتبر، أخذت أستعد لمعركة الثأر وكان الإستعداد مضنياً، ومع ذلك مضيت فيه بصبر وتصميم لا مثيل لهما، وكان المتمرن معي يموت عشرين ميتة في اليوم، غير أني كنت عاقداً العزم كما قلت، فلم أحاول أن أقضي يوماً واحداً دون تمرين.

انتظرت بصبر، ومن عنده القدرة على الصبر ظفر بما يريد، وأنا بالصبر انتصرت، بالصبر ظفرت، والصبر كما أعتبره، السلاح الذي يفتك باليأس، ولهذا لم أيأس قط متى تراكمت الخطوب وتحملت التعب الهائل بنفس راضية، واتقطفت الثمرة الشهية أمام الىلاف المحتشدة في الداخل، في الثاني من أيلول عام 1975م وأمام الآلاف المحتشدة في الخارج في تلك الليلة الخالدة جنيت ما زرعت أمام الملايين التي تجمعت أمام أجهزة التلفاز".

من المؤكد أنّ التمرن على الأعمال الشاقة يزرع في الإنسان إرادة فولاذية، والإرادة الفولاذية تخلق النجاح.

ولا تنسَ هذه الحقيقة: "إنّ قطراتِ الماءِ المتتابعةِ تحفُرُ أخدوداً في الصخرِ الأصم"!.►

تعليقات

  • عالم لم يظهر بعد

    شكرا لكم

ارسال التعليق

Top