الإحسان فعل محمود يحسنه العقل والشرع، وهو زارع المودّة وعامر المحبّة وقاطع العداوة وناشر الذّكر.
يدلّ عليه قول المصطفى (ص): "جلبت القلوب على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها".
وذكر عن أمير المؤمنين (ع) قال: "ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه؛ لأنّ الله تعالى يقول: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء/ 7)".
وأفضل إحسان العبد توحيد الله عزّ وجلّ واجتناب الشّرك، ونشر آلائه ونعمائه، وذكر أياديه وإحسانه، وإثبات فضله وعدله، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، وإظهار حججه وإيضاح دلائله، وتصديق رسله وكتبه.
ثمّ معرفة حقوق المصطفى (ص) واتّباع سننه، والتأديب بأدبه، وإظهار فضائله وإثبات محاسنه، وتقديم عترته وتفضيل أولاده، وحبّ أصحابه والشّفقة على أُمّته، واعتقاد فضله على الرّسل الأكرمين والأملاك المقرّبين، والصّلاة عليه سرّاً وجهراً.
ثمّ برّ الوالدين وتوقيرهما على ضعفهما وكبر سنّهما، والتحرّي لمسرّتهما وطلب مرضاتهما، والتذلّل بين يديهما، فإنّ الله سبحانه قرن الإحسان إليهما بعبادته وترك الإشراك به، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء/ 36)، وقال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان/ 14).
ثمّ رياضة النّفس وتأديبها بالأخلاق الجميلة، وصونها عمّا يشينها، وحملها على ما يزينها، واتّباع ما ينجيها واجتناب ما يؤذيها، وقهرها عند الشهوات، وإتعابها في العبادات، ومنعها عن الشّبهات.
ثمّ معرفة حقوق الإخوان من المؤمنين ببذل النفوس والأموال لهم، وكفّ الأذى عنهم، وتفقّد أحوالهم وإرادة الخير بهم، والنصيحة لهم قولاً وعقداً وفعلاً، والاستغفار لذنوبهم ليلاً ونهاراً، وذكرهم بالجميل غيباً وشهادةً، وإقالة عثرتهم سهواً ونسياناً. ومن أحسن إلى أحد فبنفسه بنى لأنّ إحسان المحسن إلى غيره زادُه إلى الجنّة، ومن أساء إلى أحد فعلى نفسه جنى، لأنّ إساءة المسيء إلى نفسه وغيره زادُه إلى النّار، إلّا أن يتوب ويعتذر.
وليس شيء أولى بالعبد من الإحسان؛ لأنّه سبب النّشر والذّكر والأجر والذّخر، والله يحبّه لأنّ أول الإحسان منه، وهو المحسن على الإطلاق، وبالإحسان أمر وعليه دلّ وإليه دعا. قال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 195).
ومدح المحسنين في كتابه، فقال: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (البقرة/ 112)، يعني من أخلص عمله لله وهو موحّد (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 112).
وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النساء/ 125). (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) (يونس/26) يعني لا تغشاهم كآبة ولا كسوف (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس/26).
وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصّلت/ 33).
وقال عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (النجم/ 31).
ثمّ أجمل اللفظ، فقال: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن/ 60). قيل في معناه: هل جزاء من أنعمنا عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة؟
ومن أسماء الله الحسنى: المحسن والقريب والقادر والكريم. ومن صفات العبد: الحبّ والحياء والخوف والرّجاء. فإذا علمت أنّه محسن استحببت، وإذا علمت أنّه قريب استحييت، وإذا علمت أنّه قادر خِفت، وإذا علمت أنّه كريم رجوت.
وقيل: النّظر إلى العبادة يورث الامتنان، والنّظر إلى التّوفيق يورث زيادة الإحسان لله.
ومعنى الإحسان: الإخلاص له بالعبوديّة، وتصفية الضمائر، وتصحيح الإرادات.
فقد فإنّه يراك.
دلّ على مقام سأل الأمين جبرائيل رسول الله صلّى الله عليهما عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه
الهيبة وذكر الجلال والعظمة ليحصل العمل على اليقين والصّفوة. ومن علامات المحسن كفّ الأذى وبذل الندى وحفظ الوفاء.
وعاقبة المحسن حسن الثناء وكثرة الدعاء، وعاقبة المسيء الجفاء وكثرة البلاء.
والمحسن يجزى بإحسانه، والمسيء سيكفيه مساويه.
ومن أحسن فله الحسنى، ومن أساء فله السوأى. قال الله تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم/ 10).
وقيل: من عمّ إحسانه أمن أعداءه، ومن حسنت لله خدمته تواترات من الله نصرته.
فالعاقل مَن اغتنم أيّامه، وأحسن إلى نفسه وإلى إخوانه، وتزوّد من يومه لغده، ولم يركن إلى حسن حاله ولم يطمئنّ به.
وذكر عن الصادق (ع) قال: "كفّارة عمل السّلطان الإحسان إلى الإخوان".
والجاهل من اغترّ بأيّامه ونسي حظّ نفسه، وتاه في غفلته وأعجب برأيه، فضلّ سعيه وهو يحسب أنّه يحسن صُنعاً حتى إذا انقضت أيّامه وانقطعت أعوامه لا يذكر بخير ولا ينسب إلى برّ، تعب في حياته وشقي عند وفاته ونسي في لحده، لم تبك عليه عين ولم يرقّ له قلب.
قال الله تعالى فيمن ساءت سيرته وعظمت بليّته، واستخدم عباد الله وخرّب بلاده، وذاق وبال أمره وندم على كسب يده: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان/ 25-29).
جعلنا الله وإيّاكم من المحسنين، ووفّقنا لما فيه النّجاة يوم الدّين.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق