• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (الشّريك)

أسرة

الإحسان إلى (الشّريك)
  1- الإحسان إلى (الشّريك) في القرآن الكريم: أ- النّظر إلى الشريك على أنّه مُساهم ومُشاطر في العمل والمهمّة والمؤسّسة، وأن يُقابَل بالنظرة المساوية التي تحترم موقعه وشراكته وتقاسمه المهام: قال تعالى على لسان موسى (ع) في طلبه أن يكون هارون أخوه شريكاً له مهمّة الدعوة: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) (طه/ 29-34). ب- معاملة الشّريك بالإحسان والمعروف والمودّة والرّحمة: قال عزّ وجلّ في إحسان الشّريكين (الزّوج والزّوجة) لبعضهما البعض: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228). ت- المُساهمة العمليّة مع الشريك وليس تركه يقوم بالمهمّة كاملة والطرف الآخر يقف مُتفرِّجاً أو مُشجِّعاً فقط: قال سبحانه في اشتراك ذي القرنين والقوم المُهدّدين من قِبَل يأجوج ومأجوج، وعلى لسان ذي القرنين نفسه: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (٩٥)آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) (الكهف/ 95-96). ث- والشّركةُ في الرّأي تتطلّب الإحسان إلى المُشارك برأيه بأن يُستشار في القضايا المصيريّة والكُبرى وليس في الأمور الصغيرة فقط: قال تعالى على لسان بلقيس حينما تعرّضت مملكتها لخطر الزّوال: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) (النمل/ 32).   2- الإحسان إلى (الشّريك) في الأحاديث والرّوايات: أ- من الإحسان إلى الشريك في العقل والرّأي والمُشاورة أن يُستمزَج رأيه وتُؤخذ ملاحظاته بنظر الإعتبار وصولاً إلى أكبر درجة من الصواب: يقول الإمام علي (ع): "الشّراكة في الرّأي، تؤدِّي إلى الصّواب". ب- الشّريك له حصّة، ومن الإحسان إلى شريكه أن لا يحتكر حصّة شريكه أو يُصادرها أو يتعدّى عليها، كذاك الذي أراد أن يُضيف نعجة أخيه لنعاجه التّسع والتّسعين: يقول رسول الله (ص): "المُسلمون شُركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ (مراتع الحيوان)، والنّار". ت- لمّا كان الوارثون أو الوَرَثة شُركاء الإنسان في ماله (عند موته)، كان لابدّ من الإحسان إليهم أن يُعدَلَ معهم في الوصيّة، كما عدلت معهم الشريعة في تقسيم التّركة. وكلمة (بالمعروف) الواردة في قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 180). تعني أن تكون الوصيّة موافقة للعقل والإنصاف من كلِّ الجهات، سواء في مقدارها أو في نسبة توزيعها بالحقِّ والعدل. يقول الإمام الباقر (ع): "مَن عدلَ في وصيّته كانَ كَمَنْ تصدّقَ بها في حياتِه".   3- الإحسان إلى (الشّريك) في الأدب: يرى (أبو الأسود الدّؤليّ) أن تحصيل الرِّزق يكون بمشاركة الناس أعمالهم التي يحصلون بها أرزاقهم. وهو لا يتحصّل بالإلحاح فيه، فيقول: وليسَ الرِّزقُ عن طلبٍ حثيثٍ **** ولكن ألقِ دلوَكَ في الدّلاءِ ويُعلن (عروة بن الورد) عن ارتياحه لاشتراكه مع غيره في إنائه، لأنّ ذلك يعني تفريقه جسمه في أجسام كثيرة، فيقول: وإنِّي امرؤٌ عافي إنائي شِركةٌ **** وأنتَ امرؤٌ عافي إنائِكَ واحدُ أُفرِّقُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ **** وأحسو قُراحَ الماء والماءُ باردُ عافي الإناء: شاربٌ ما تبقّى فيه. ويدعو آخر للمُشاركة والمُشاطرة في العيش حتّى يلذّ ويهنأ، فيقول: "فلذيذُ العيشِ أن نشتركا". ومن مقتضيات الإحسان إلى الشّريك أن تُشاطره الأحزان أيضاً وليس المسرّات فقط. قال الشاعر: أشركتمونا جميعاً في سرورِكُم **** فلَهونا، إن حزنتُم، غيرُ إنصافِ ويُشاطر (أبوبكر الشّبليّ) الحمامة حزنها وإحساسها بالجوى، وإن لم يفهمها وتفهمه، ولكنّهما يشتركان في الأحاسيس، فما أجدر الإنسان أن يُشاطر أخاهُ الحزن والألم وهو يفهمه جيِّداً فضلاً عن اشتراكية الأحاسيس. فيقول: ولقد تشكو فما أفهمها **** ولقد أشكو فما تفهمني نميرَ أنِّي بالجوى أعرفُها **** وهي أيضاً بالجوى تعرفني! ومثله (أبو فراس الحمدانيّ)، إذ يُشاطر الحمامة همومها، فيقول: أيا جارَتا ما أنصفَ الدّهرُ بيننا **** فَتَعالِي أُقاسِمُكِ الهمومَ تَعالِي   4- برنامج الإحسان إلى (الشّريك): تقول كتب الفقه الإسلامي في معنى الإحسان إلى الشريك، أنّ الجميع (الشّركاء) يملك المملوك بدرجةٍ واحدةٍ من الإختصاص، ولكن دون أن يستقلّ كلُّ واحدٍ منهم بالتصرّف بحصّته منه إلا بإذنٍ من شريكه. ويذكر أنّ أحد أسباب الشّركة هو (تعزيز سبل المودّة) حيث يعني أن أتشارك علاقة إنسانية اقتصاديّة يُختبر فيها المؤمن في أخلاقه ودينه، وتُرتّب على كلِّ شريك تبعة تجاه شريكه في صيانة المال المُشترَك وعدم العدوان فيه، وذلك بالحرص على الإلتزام بما شرعه الله تعالى لتنظيمها وبيان أحكامها، وبالتشدّد في إنصاف الشريك من النفس ومراعاة حقوقه. ورد في الحديث النبوي فيما يرويه (ص) عن ربِّه عزّ وجلّ: "أنا ثالثُ الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبَه، فإذا خانه خرجتُ من بينهما"، أي أنا معهما بالمعونة والبركة. وسواء كانت الشركة شركة أملاك، أو شركة عقود، أو شركة أموال، أو شركة أعمال، أو شركة آراء، أو شركة حياة، فإنّ إنصاف الآخر والإحسان إليه يأتيان في الصدارة من الشركة التي يكون الله تعالى ثالثها. في (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين (ع) جاء في (حقِّ الشّريك) ما يلي: "وأمّا حقّ الشّريك: فإن غابَ كفيته، وإن حضرّ ساويته، ولا تعزم على حُكمِه، ولا تعمل برأيِكَ دون مُناظرته (مُشاورته)، وتحفظ عليه ما له، وتتّقي خيانته فيما عزّ (كثرَ) أو هانَ (قلَ)، فإنّه بلغنا: إنّ يَدَ اللهِ على الشريكين ما لم يتخاونا"!

ارسال التعليق

Top