قد تختلف نوعية الأزمة هذه المرة عن سابقاتها، ولكن وفي جميع الأحوال فإن وجود أزمة من أي نوع يؤكد وجود إقتصاد مريض، وبالتالي فأزمة الديون السيادية الأميركية إن دلت على شيء فإنها ستدل على أنّ الإقتصاد الأميركي لم يتعافَ، بدليل أنّ الحكومة الأميركية لا تستطيع سداد إلتزاماتها، حتى في ظل رفعها سقف هذه الديون أكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية. إنّ طبيعة الأزمة هذه المرة ربّما تكون أشرس من سابقتها؛ وذلك لأنها تهدد الإقتصاد الأميركي ككل وبشكل مباشر، وكل ما قد يرتبط بهذا الإقتصاد، سواء أكانت دولاً أو حكومات أو شركات، أو غيرها من أي مؤسسات ومنظومات مالية لها تعاملات مع الحكومة الأميركية.
الدكتور أيهم سراج الدين، أستاذ علم الإقتصاد يبيّن لنا بعض أسباب الأزمة، ومدى تأثيرها على الإقتصادات المرتبطة بالإقتصاد الأميركي، وتحديداً إقتصادات الدول العربية. - أسباب إرتفاع سقف الدين: إنّ إنعكاسات وتبعات هذه الهزة المالية على الإقتصاديات حول العالم من المتوقع أن تكون كبيرة، وربّما كبيرة جدّاً أيضاً، خاصّة أنّ هذه الأزمة ليست بالحديثة؛ إذ إنها تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية وتضاعفت لأكثر من ضعف واحد، وبالضبط منذ عام 2000، حينما كان سقف الدين الأميركي في حدود 5950 مليار دولار. في حين أصبح سقف هذا الدين الآن في حدود 14.3 ترليون دولار: أي أنّه تضاعف أكثر من مرة خلال السنوات العشر، وأسباب ذلك معروفة ومتعددة، وهي باختصار إرتفاع النفقات الأميركية داخلياً، مثل بعض الإلتزامات التي قدمها كلا الحزبين عند الإنتخابات، أو الخدمات التي رتبت أو سببت إرتفاعاً كبيراً وزيادة في النفقات الحكومية، وخارجياً مثل العديد من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات العشر الماضية. - مدى تأثير الأزمة على دول المنطقة: إنّ دولنا العربية، وخاصة المنتجة للنفط، لديها ما قد يصل لـ400 مليار دولار كسندات مجمدة في الخزينة الأميركية، وهذه الأزمة قد تجعل تلك السندات مشكوكاً في إسترجاعها من ناحية، بالإضافة إلى التراجع الحاد جدّاً في قيمة الدولار من الناحية الثانية، ما سيؤثر على قيمة تلك السندات، بل ويقلل من تلك القيمة، فالأوضاع الإقتصادية في العالم العربي سيِّئة، خاصة إذا ما بقيت الأزمة المالية الأميركية والتي تنذر بعواقب ربّما لا تكون مرجوة على الأقل في الأوقات الحالية. إنّ التأخير المتوقع بالسداد من الحكومة الأميركية سيترتب عليه خسائر لكل المتعاملين معها بأية حال، وفي الواقع فإنّ الأكثر أهمية من ذلك أنّ الولايات المتحدة قد خفضت معدل الفائدة على الدولار إلى واحد بالمئة، وبالتالي فإنّ هذه السندات لم تعد تنتج ما يغطي التضخم؛ أي أنّ هناك خسارة مهمة جدّاً للدول المالكة لهذه السندات، والتي يكون مردودها من 2 إلى 3 بالمئة بالعادة، أضف إلى ذلك أنّه عندما ينخفض الدولار بنسبة كبيرة فهذا يعني أنّ هناك خسارة كبيرة في قيمة الموجودات (السندات)، التي قيمتها بالدولار، وهنا أصبح وضع المستثمرين والمساهمين كمن يحمل حجراً كبيراً ولا يستطيع التخلص منه؛ خوفاً من أن يسقط هذا الحجر على رجليه: أي أنّ هذه الدول ستتأذى في جميع الأحوال. - المنتظر والمتوقع: يؤكد الدكتور أيهم أن في سوق المال من الحكمة أن تتوقع الأسوأ، والمثل يقول: "رأس المال جبان"، ويضيف: إنّ المخاطر المترتبة على عدم رفع سقف الدين العام في الولايات المتحدة الأميركية هي: أوّلاً: ستضطر الحكومة الأميركية إلى تخفيض الإنفاق العام بصورة حادة، واتباع سياسة تقشفية ستغرق الولايات المتحدة في كساد جديد، وهو ما سيؤثر على قدرتها في إصدار سندات جديدة. ثانياً: شيوع حالة ذعر شديدة في الأسواق العالمية. والذي سيؤثر سلباً بدون شك على مستقبل أي إستثمار أو تجارة: نظراً للخوف والذي يصاحبه دوماً التأني والتريث، وبالتالي المزيد من الكساد والتراجع. ثالثاً: ستقوم مؤسسات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف الدين الأميركي، وبالتالي لن تبقى السندات الأميركية تلك السندات المرغوب بها دوماً، وربّما ستصبح سندات غير مرغوب فيها مطلقاً. رابعاً: ستتراجع قيمة الدولار بصورة كبيرة أمام العملات المختلفة، الأمر الذي يمكن أن يزيد من الضغوط الحالية التي يواجهها الدولار، مما قد يعزز من بعض الأفكار التي تدفع باتجاه التخلص من الدولار، والتوجه لعملات أخرى أكثر قوة وأماناً، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى العمل على التخلص من الدولار الأميركي كعملة إحتياط عالمية أيضاً. خامساً: ستلحق بالمستثمرين الرئيسيين في الدين الأميركي خسائر فادحة؛ نتيجة لتراجع الدولار. سادساً: مع ميل معدلات العائد على الدين الأميركي نحو التزايد، فإنّ تكلفة خدمة الدين سترتفع على الميزانية الأميركية. وهو ما سيؤدي بالولايات المتحدة إلى الدخول في حلقة مفرغة. وهكذا ستستمر الولايات المتحدة في دوامة متزايدة من الديون. سابعاً: تأثر الطلب الأميركي على النفط، والذي سيؤدي إلى إنخفاض سعر البرميل وما قد يكون له من تأثير سلبي على المنطقة ككل، وخاصة على الدول المصدرة للنفط، حيث إنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أكبر مستهلك للطاقة في العالم.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق