• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القراءة مفتاح العلم

محمّد عدنان سالم

القراءة مفتاح العلم
 ◄القراءة هي الوسيلة الأساسية للاتصال بين الأفراد والمجتمعات، فهي أداة الإنسان لكسب المعارف والتعلم، وهي أداة المجتمع للربط بين أفراده، وهي أداة البشرية للتعارف بين شعوبها مهما تفرقت أوطانهم، وبين أجيالها مهما تباعدت أزمانهم.

وإذا كان الكتاب هو الخزانة التي تحفظ الخبرات المتراكمة من الأجيال الماضية، فإنّ القراءة هي المفتاح الذي يتيح الانتفاع بهذه الخزانة، وهي الوسيلة التي تمكن الخلف مهما كان قزماً، أن يطل من فوق كتف السلف مهما كان عملاقاً، ليشاهد كلّ ما شاهده السلف، وأشياء أخرى لم يدركها السلف ولم يشاهدونها، فتتفتح لهم على قدر قراءتهم رؤى جديدة، ومفاهيم جديدة، يضيفونها إلى خزانة معارفهم، ويُغْنون بها أفكارهم، فتتطور حياتهم، ويتغلبون على مشكلاتهم، ويرتفع مستواهم، ويتقدمون على من سواهم.. تلك هي سنّة الله في المجتمعات البشرية: من يقرأ أكثر ينل أكثر، ويرتق أكثر.

 

اقرأ وارقَ:

"أقرأ وارتقِ" جزءٌ من حديث لرسول الله (ص)، ومعناه أنك على قدر قراءتك تنال من الرُّقي (رياض الصالحين 1000).

وإذا كان الفهم التقليدي لهذا الحديث يقصر القراءة على القرآن، والجزاء على الآخرة، فإنّ قراءة غير القرآن إنما هي من مقتضيات القراءة الواعية للقرآن، وتنفيذٌ لأمره الناسَ أن يسيروا في الأرض، فينظروا كيف بدأ الخلق.

إنّ القراءة الواسعة العميقة الشاملة لتراث البشرية، هي التي تجعل الإنسان عالمياً يتجاوز الألوان والأجناس والألسن والمعتقدات.

 

القراءة طريق الأُمم للرقي:

فاليونان، الذين كانوا أكثر الناس قراءة، وأكثرهم إنتاجاً فكرياً في الفلسفة والحكمة والشعر، سيطروا على أكبر رقعة من العالم أيام الاسكندر تلميذ أرسطو (المعلم الأوّل).

والمسلمون، الذين انطلقوا من (اقرأ)، وطلبوا العلم من كلِّ مصدر، نالوا من كرامة الله لهم في الدنيا، وسعة السلطان في الأرض، في أقصر وقت، ما لم ينله غيرهم بمثل هذه السرعة.

والغربيون الذين يتمتعون بخيرات العالم في عصرنا، هم الأكثر صلة بالقراءة، والأعلى رقماً في عدد ما يصيب الفرد الواحد منهم من الكتب والصحف والمجلات.

واليابان، هذا القزم العملاق، تخلص من الأُميّة قبل نهاية القرن التاسع عشر، وزادت عناوين الكتب الجديدة التي تصدرها دور النشر اليابانية فيه سنوياً على 35 ألف عنوانٍ.

 

القراءة الدائمة تعلُّم مستمر:

عن طريق القراءة ينطلق الفرد في التعليم المستمر، الذي أضحى ضرورة لمواكبة التطور العلمي والفني، وللتكيف الشخصي مع المتغيرات السريعة، والمستحدثات العصرية، وتوسيع مدى رؤية الفرد للأشياء.

ومهما كان مجال تخصص الفرد، فإنّه سوف يجد معلوماته تتناقص عاماً بعد عام، إذا أهمل القراءة، بينما المعرفة تتفجر من حوله سواءً في نطاق اختصاصه المهني، أو في نطاق عالم الأفكار الذي لا يكف عن السير الحثيث، غير عابئ بالمتثائبين ولا بالحالمين المسترسلين في التأملات، ولا بالعابثين السادرين في الغفلات.

إنّ القراءة المستمرة، هي وحدها طريقك إلى التكيف مع العالم من حولك، وهي دأب جميع الأُمم الحية المتطلعة إلى غدٍ أفضل، وهي ما عبّر عنه أسلافنا، شعاراً رفعوه (طلب العلم من المهد إلى اللحد)، وسلوكاً طبقوه إيماناً منهم (طلب العلم فريضة).

أما الإهمال والغفلة والإخلاد إلى اللّهو، وإراحة العقل من التفكير، دون أن تقدم له الزاد الذي يحفظ عليه حياته، والرياضة الذهنية التي تكفل له نموه، فسوف يؤدي ذلك به إلى الضمور طبقاً لسنة الله في الأحياء (العضو الذي لا تستخدمه يضمر)، وسوف يدخل ذلك بصاحبه إلى (الكهف) ليغمض عينيه، مشاركاً أهله في نومهم العميق.. فإذا قدرت له ذات يوم (صحوة)، فوجئ بما لم يألفه، ودهش لما لم يعرفه، وأنكر ما حوله، وتلطف عائداً أدراجه إلى كهفه، قبل أن يشعر به الناس، فيأخذوا به إلى متاحف التاريخ.

 

القراءة باب الاجتهاد والإبداع:

المعارف تتراكم، وتنمو بالاجتهاد، يضيف إليها كلّ جيل بمقدار ما يتمتع به من قدرة على قراءة الرصيد الذي قدمته إليه الأجيال السابقة، ووعي لمكونات هذا الرصيد، وتحليل لها في ضوء مؤشرات الزمان والمكان، وإعادة تركيبها والإضافة عليها بما يصلح للحاضر وينير طريق الأحفاد في المستقبل.

إنّ توقف جيل من الأجيال عن مثل هذه القراءة يؤدي به إلى الجمود، والتقليد، ويقعد به عن مرتبة الاجتهاد والفعالية، ويتخلف به عن ركب الحضارة والتقدم، فيتجاوزه (التاريخ)، ويرمي به في سلة (المهملات).

و(باب الاجتهاد) لا ينفتح أو ينغلق بأمر ولا بفتوى، إنما يتحرك هذا الباب انفتاحاً أو انغلاقاً بمقدار (القراءة) والاطِّلاع على موارد الأدلة ومصادرها، ومعرفة السياق التاريخي والواقع، فالقارئ الذي يتوغل بقراءته إلى أعماق التاريخ، ويجول ببصره في رحاب الواقع لا يستطيع أحد، مهما انغمس في ربقة الآبائية والتقليد أن يمنعه من الاجتهاد وتقديم رؤى جديدة تستوعب الرؤى السالفة وتأخذ بأحسنها، ثمّ تضيف إليها. وهكذا تسنى لأسلافنا أن يصححوا مفاهيم أسلافهم ويطوروها ويضيفوا إليها جيلاً بعد جيل. ولو أنّهم توقفوا طويلاً عن العطاء، لبعدت بنا الشقة، وانسلخنا عن جذورنا، ولانقطعت حبال التواصل بيننا وبين تراثنا، وتعطلت الشرائع.

إنّ الذين لا يقرؤون التاريخ والآداب والشرائع ولا يطلعون على أحداث العالم، ومستجدات الأفكار، ولا يقارنون بينها، لا يمكن أن يزكوا على أيديهم علم، ولا ينهض بهم اجتهاد أو يتحقق إبداع. وسوف يتجاوزهم التاريخ، ملقياً بهم في حاوية المهملات. ►

 

المصدر: كتاب القراءة... أوّلاً

ارسال التعليق

Top