• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأدب الرقمي.. الإلكتروني

أ. د. حلمي محمد القاعود*

الأدب الرقمي.. الإلكتروني
◄توجد على شاشة الحاسوب ثلاثة أنواع من منابع الثقافة والأدب هي: الأوّل: الصحافة الإلكترونية: وهي تكاد تكون صورة طبق الأصل من الصحافة الورقية، فـ"الأهرام" مثلاً تظهر على الحاسوب تحمل المادة نفسها التي تحملها الصحيفة الورقية لـ"الأهرام"؛ باستثناء بعض التفاصيل أو المواد التي لا تعني القارئ الإلكتروني، ويلاحظ أنّ النسخة الضوئية أضيف إليها الآن جدول للتفاعل مع آراء القراء، أو ما يطلق عليه الإطار التفاعلي. النوع الثاني: المواقع الإلكترونية: وقد يكون بعضها على شكل صحيفة ورقية من حيث التبويب والترتيب، ومن أبرز أمثلتها صحيفة "المصريون"، و"إسلام أون لاين"، وهي تُعنى بالأخبار والآراء أو المقالات، مع إتاحة الفرصة للتفاعل مع القراء. الثالث: المدونات: ويقوم شخص بمفرده – أو مشتركاً مع غيره – بإطلاق مدونة أو موقع خاص به لا يخضع لتغيير دوري بقدر ما يتسق مع مزاج صاحب المدونة أو أصحابها، فيضيفون ويحذفون وقتما يشاؤون، وغالباً ما تكون المدونات أقرب لنشر الأدب بأجناسه المختلفة، وقد يتيح بعضها التفاعل مع القراء أو لا. ومهما يكن من نوع الموقع الضوئي، فإنّ فرصة نشر الأدب والثقافة متاحة بصورة وأخرى في حرية ملحوظة، وبصورة أكبر من الصحف الورقية، ولكن بعض الأدباء حاول أن يجعل للأدب الرقمي أو الثقافة الرقمية خصائص ذاتية ينفرد بها عن الأدب الذي نعرفه، ونتلقاه من الورق، صحيفة أو دورية أو كتاباً، بل ذهب بعضهم إلى أنّ الأدب الرقمي لابدّ أن يكون له نقاده المتخصصون الذين يملكون أدوات وتصورات تختلف عن أدواتهم وتصوراتهم عند معالجة الأدب السائد الذي عرفناه. إنّ الحاسوب يتيح للكاتب أن يستفيد بأكثر من عنصر، بالإضافة إلى النسخ والطبع، فهناك الصورة، والرسم، والفيلم، والحوار الصوتي، والتعليق من القراء... وغيرها، وكل هذه العناصر أو بعضها يشارك في صناعة النص الأدبي الضوئي أو الرقمي أو الإلكتروني.. بيد أن هناك مشكلة تتعلق برفض بعض الأدباء والنقاد لهذا الأدب من جهة؛ وعدم معرفة كثير من المثقفين به من جهة أخرى، وهو ما جعل هناك خلطاً كبيراً بينه وبين أدب مدونات النشر الإلكتروني، فما ينشر في المدونات والصحف الضوئية لا يعد أدباً رقمياً حسب رأي بعض أدباء الحاسوب؛ حيث يرون أنّ للأدب الرقمي – كما سبقت الإشارة – خصوصيته التي تكمن في اعتبار التقنيات الرقمية ولغات البرمجة جزءاً لا يتجزأ من النص الأدبي؛ فلا يمكن ترجمة النص بفاعلية عن هيئته الرقمية التي جعلت هذا النص يتحدث عن نفسه بالكلمة والصوت والصورة..   - الرواية الرقمية: يقول الأديب الأردني "محمد سناجلة" الذي يعد رائداً في هذا المجال بروايته المسماة "ظلال الواحد": "إنّ الأدب الرقمي هو أدب جديد لعصر مختلف يستخدم لغة جديدة مغايرة للغة التي استخدمها الأدباء والكُتّاب قبل ذلك، أما عن وصف الرواية الرقمية بـ"رواية اللامكان".. فليس صحيحاً، فلديها مكان، مثلاً "الرواية الواقعية الرقمية" مكانها هو المجتمع الرقمي الذي يتشكل في فضاء شبكة الإنترنت والكمبيوتر، وعلى هذا الأساس فالمكان موجود، لكنه مكان آخر لم تتطلق إليه الرواية من قبل، وبطل هذه الرواية هو الإنسان الافتراضي الذي يعيش ويتحرك في المجتمع الرقمي. وهناك أنواع أخرى من الرواية الرقمية يوجد فيها المكان الواقعي (ليس الافتراضي)، لكننا عموماً نستطيع الحديث عن تهميش المكان في الرواية الرقمية، وذلك يعود لسبب بسيط جدّاً وهو أنّ الثورة الرقمية اختزلت المسافة وهمّشتها، فالعالم لم يعد قرية صغيرة، بل غدا مجرد شاشة زرقاء صغيرة".   - عصر جديد: ويرتب الأديب "سناجلة" على هذا الأساس أنّ النشر الإلكتروني ليس بديلاً للنشر الورقي الذي يعد بصورة ما مفتوحاً أمام الموهوبين منذ زمان، فنحن الآن في عصر جديد هو العصر الرقمي، ومع إنسان جديد هو "الإنسان الافتراضي" الذي أصبح عليه أن يتلاءم مع التغير الذي حدث في مفاهيم المكان والزمان، لكل عصر طريقته في القول والتعبير والكتابة، وظهور النشر الإلكتروني والكتاب الرقمي وأدب الواقعية الرقمية سلسلة طبيعية من التطور في تاريخ البشرية.. ويرى "سناجلة" أن لكل عصر لغته، والرقمية هي لغة العصر الراهن. وهذه اللغة هي اللغة الرقمية التي تغدو فيها الكلمة جزءاً من كل، ودخل إلى جانب الكلمة مؤثرات "الملتيميديا" المختلفة (يقصد الإعلام المتقدم) من صوت وصورة وحركة و"جرافيكس" وغيرها.   - المنتج الرقمي: وللدكتورة زهور كرام الناقدة والباحثة من المغرب رؤية وقراءة واجتهاد في المنتج الرقمي، من خلال بحث متخصص نشرته في العالم الماضي، بعنوان: "الأدب الرقمي – أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية"، وقد دخل ضمن المناهج الدراسية الجامعية في بلادها. وتشير الدكتورة زهور إلى أنّ الأدب الرقمي حقيقية أدبية تميّز العصر التكنولوجي في أمريكا وأوروبا، وعربياً ما يزال يخطو باحتشام كبير، وهذا له علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور، ومدى توفرنا على مناخ يسمح بمثل هذا الإبداع، كما يتعلق أيضاً بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي. وقد أجرت معها جريدة "القدس العربي" التي تصدر في لندن، حواراً أدبياً مطولاً تحدثت فيه عن مفهوم الأدب الرقمي بصورة لا تبعد كثيراً عما تحدث به الأديب الأردني "محمد سناجلة"، وقد عبرت عن مفهومها للأدب الرقمي بقولها: "مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، وذلك لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تـأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال نقدي موضوعي لبلورة مختلف المفاهيم التي تؤطر الأدب الرقمي، وحسب طبيعة اشتغالي على الموضوع يمكن التعامل مع مفهوم الأدب الرقمي باعتباره مفهوماً عاماً تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقمياً...". أي إنّ الباحثة المغربية لا تقطع يقيناً مثل الأديب "سناجلة" بمفهوم دقيق للأدب الرقمي، إنها تشاركه الراي أنّه منتج إلكتروني، ولكنها تختلف في كونه قابلاً للتطور بما يستجد من تحولات.   - تجدد الوسائط: ويتطلب الأمر من النقد العربي أن يناقش الأدب الرقمي في إطار تحولات نظرية الأدب، ومسايرة تطور الأدب مع تجدد وسائط تجلياته، وفقاً لما تذهب إليه الباحثة المغربية "إكرام زهور"، فالمؤسسات الثقافية العربية التي لها سلطة تدبير الشأن الثقافي ما تزال لم تقترب بعد من هذا الأدب، وهو ابتعاد يعبر عن طبيعة هذه المؤسسات، إلى جانب أنّ الجامعات العربية لابدّ أن تدخل مجال هذا الأدب من خلال تكوينات علمية أكاديمية، وترى الباحثة أنّ الضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي.   - نماذج من الأدب الرقمي: يتفق "سناجلة" و"زهور" على أنّه ليس كل ما ينشر على الشبكة هو أدب رقمي، لأنّ الأدب الرقمي ليس أن ننجز نصاً ورقياً مثلاً، ثم نحوله إلكترونياً في الشبكة لكي نقول إنّه رقمي. ففي الشبكة نتعامل مع مختلف الوثائق والنصوص التي تم تحويلها إلكترونياً والتي يمكن طبعها على الورق. الأدب الرقمي لا يمكن إنجازه خارج المجال الإلكتروني؛ لأنّه يتحقق بواسطة البرامج المعلوماتية، ولا يُقرأ إلا من خلال شاشة الكمبيوتر وعبر تشغيل البرامج، ولذلك يصعب طبعه باعتباره نصاً أي وحدة إبداعية. ترى "زهور" أنّ النماذج التي يمكن احتسابها من الأدب الرقمي قليلة بصفة عامة، ويعد منها: نصوص الكاتب الأردني "محمد سناجلة" الذي أتمنى ألا يتخلى عن الإبداع في هذا المجال، وأيضاً الشاعر العراقي "مشتاق معن" من خلال إنتاجه قصائد رقمية، ثمّ تجربة الكاتب المغربي "محمد شويكة" في القصة الترابطية، وأيضاً تجارب المسرح الرقمي بالعراق على الخصوص، بالإضافة إلى محاولات أخرى متفرقة يسعى أصحابها إلى دخول التجربة إبداعاً، ثمّ تتجلى تجربتنا الرقمية عربياً من خلال النقد والتفكير في الثقافة الرقمية، كما نجد مع الكاتب المغربي "سعيد يقطين"، وأيضاً الناقدة الإماراتية "فاطمة البريكي"، والكُتّاب: السيد نجم، وأحمد فضل شبلول، وعبير سلامة، وعبد القادر حسام من مصر، والعديد من الباحثين والنقاد الذين نشروا مقالات ودراسات حول الأدب الرقمي والنص التفاعلي، خاصة في موقع "اتحاد كُتّاب الإنترنت العرب" الذي يعد – بالفعل – واجهة لنشر الثقافة الرقمية.►   *أستاذ الأدب والنقد

ارسال التعليق

Top