• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

محبة الله لعبده التائب

محبة الله لعبده التائب

◄فتح الله سبحانه وتعالى لعباده باب التوبة بقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31). فالله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده ويرحّب بهم ويغفر لهم وهذا ما بيّنه لنا رسول الله (ص) في حديثه المتفق عليه قال: "لله أفرحُ بتوبة العبد المؤمن من رجل نزلَ في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومةً فاستيقظ وقد ذهبت راحلتُه فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحرّ والعطش أو ما شاء الله قال ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنامُ حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا براحلته عنده عليها زاده وشرابه، ففرح فرحاً شديداً، فالله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته".

يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي: "إذا تقرّب إليّ العبد شبراً تقرّبْتُ إليه ذرعاً وإذا تقرّب إليَّ ذرعاً تقرّبتُ منه باعاً وإذا أتى إليَّ مشيئاً أتيته هرولة".

ليس معنى التوبة ترك المعصية فقط بل معناها أيضاً محاولة محو آثارها من النفس القلب وذلك بالإكثار من الحسنات لقول رسول الله (ص): "إتق الله حيثُما كنت واتبع السيئة الحسنةُ تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، والله سبحانه وتعالى يبيّن لنا كيف نزيل آثار السيئات بقوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114). فالبعدُ لا يستغني في حال من الأحوال عن محو آثار السيئات عن القلب وذلك بالقيام بالحسنات تذهب آثارُها آثار تلك السيئات.

والمسلم حين يعمل على محو سيئاته بزيادة حسناته إنما يعمل ليوم هو بالغه، حين يَلقى ملك الموت فلا يجد ما يؤخِّره عن موته ساعة.

في هذه اللحظة يتمنى الرجل لو يتأخر أجلُه بعض الوقت ليعمل على زيادة حسناته ليمحو بها بعضاً من سيئاته ولكن هيهات أن يكون له ذلك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون/ 9-11)، وقد قيل في معنى الأجل القريب الذي يطلبه العبد عند الموت، أن يقول عند كشف الغطاء يا ملك الموت أخرني يوماً اعتذر فيه إلى ربي وأتوب وأتزوّد صالحاً لنفسي فيقول ملك الموت. فنيت الأيام فلا يوم فيقول فأخرني ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة فيغلق عليه باب التوبة فيغرغر بروحه تتردد أنفاسُه ويتجرّع غصّة اليأس. قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء/ 17-18).

ومعنى ذلك أن يتوب العبد عن قرب عهد بالخطيئة. فيندم عليها ويمحو أثرها بحسنة بردفها قبل أن تتراكم عليه السيئات فلا يستطيع لها محواً. فيأتيه ملك الموت وقد تراكمت عليه سيئاته وقلّت حسناته فيذكر ويتندم فلا تنفع عندها الذكرى ولا ينفع عندها الندم وقد يُذنِبُ العبدُ ولا يتوب أو يسوِّف التوبة ويقول غداً أتوب أو بعد غد ويُذنب مرة أخرى بل مرات ويسوّف نفسه وهو لا يملك لنفسه أن يعيش ساعة ويأتي يومه الموعود فلا يملك له رداً ولا يملك له تأخيراً ولا تسويفا. فإلى التوبة مسرعاً أخي المسلم.

الآن في هذه اللحظة وفي كلّ لحظة تحس بها أنك أذنبت أو ارتكبت معصية في حق الله فتوبتك عسى أن تكون مقبولة عند الله إذا كانت توبة نصوحاً قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزُّمر/ 53). (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( (البقرة/ 186).

أما التوبة التي تخرج من اللسان ولا تبلغ القلب ولا الجوارح فليست هي المطلوبة فقد يقول الإنسانُ تبت عن كذا وكذا وهو في حقيقته غير تائب لأنّه غير عازمٍ على العودة عن ذنبه فتوبة هذا الإنسان ليست توبة نصوحاً قال تعالى مبيناً لعباده أنّه غافرُ الذنب ولكنه شديد العقاب. (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (غافر/ 1-3).

أخي المسلم بادر إلى الله بالتوبة إليه قال (ص): "إنّ الله يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار ولمسيء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس إلى مغربها".►

ارسال التعليق

Top