الصوم في الشرع إمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام، فمن حقق هذا في صيامه كان صيامه صحيحاً في ظاهر الشرع، ولكن قبوله له كقبول سائر العبادات يحتاج مع ذلك إلى مجاهدة ومصابرة في تحقيق غاياته وأهدافه المرجوة شرعاً منها.. فكم من مُصلٍ لا يحقق من صلاته إلا الأعمال الظاهرة من قيام وركوع وسجود، كما قال رسول الله (ص): "رب مُصِّل ليس له من صلاته إلا نصفها إلا ثلثها إلا رُبعها حتى بلغ عُشرها".
وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال رسول الله (ص) "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
لقد شُرع الصوم من أجل أن تسمو النفوس البشرية إلى عالم الخير، وللتريض على الصفات النبيلة التي تؤهلها للسعادة في الدارين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).
وقد جعل الله الصوم شهراً في السنة يتزود فيه المؤمنون بحكم الصوم وفضائله لباقي شهور العام حتى يصل إلى التقوى بحيث يتقون بتلك الفضائل على الشرور والآثام.
ومن أهم حِكم الصوم وفضائله أنه يربي في الصائم المؤمن ملكة الصبر والمصابرة عن الشهوات المفسدة للأخلاق، فمن ربّى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك شهواته المباحة الميسورة امتثالاً لأمر الله تعالى واحتساباً، يُرجى أن تتربى عنده ملكة ترك الشهوات طيلة شهور السنة.
- ومن فضائل الصيام تربية ملكة الشفقة والرحمة على الفقراء والمساكين، فإنّه حينما يشتد جوع الصائم وعطشه يشعر بحاجة إخوانه المحتاجين، وربما حمله ذلك على الإحسان إليهم وفي ذلك إصلاح اجتماعي، وبهذا ترتبط فريضة الزكاة بفريضة الصيام برباط ديني اجتماعي إنساني متين.
- ومن خصائص شهر رمضان تربية مراقبة الله عزّ وجلّ في جميع أعمال الصائم طيلة شهور السنة، إذ عند ترك الصائم كل ما يرغب فيه أثناء أيام صيامه من أكل نفيس وشراب عذب وفاكهة شهية وكلّ ما يستهويه من الملذات امتثالاً لأمر الله تعالى، فإن من نتائج هذا أن تتقوّى ملكة المراقبة ومحاسبة النفس بقية شهور العام.
- وفي الصوم فرصة لتربية ملكة الأمانة في شعور الصائم ووجدانه، فإذا علم معرفة الصائم بأنّ الصوم دَيْنٌ عليه، وأمانة في عنقه، ثمّ قام بواجبات هذه الأمانة ووفى حقوقها، كان أحرى بأداء العبادات والمعاملات الأخرى على خير وجه.
- وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام في جميع اعماله، فإنّه حينما يلتزم وقتاً محدداً لصومه وإفطاره وسحوره وقيامه وتلاوته للقرآن وزيارة الأقارب والأصحاب فإن ذلك يربي عنده حب النظام والمحافظة على ترتيب الأعمال.
وفي شهر رمضان يتجلى مظهر الوحدة والاتحاد بين المسلمين، فهم جميعاً يُمسكون عن كلّ مفطر في وقت واحد قبيل مطلع الفجر، ثمّ يُقبلون جميعاً على الإفطار في وقت واحد عند غروب الشمس.
- ونضيف إلى ما سبق من الخصائص والسمات والفضائل المرتبطة بفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك أيضاً أن في الصوم فرصة لإذابة شحوم المترهلين وإفناء المواد السامة المترسبة في الأبدان، لا سيما أبدان المترفين أولي النهم قليلي العمل، وتطهير الأمعاء من السموم التي تحدثها البطنة، فكثير من المرضى يتعافون أثناء شهر رمضان، وصدق مَن قال: "صوموا تصحوا".
- ومن يسر الإسلام ومرونته تخفيفه سبحانه وتعالى وترخيصه لأصحاب الأعذار بالفطر في رمضان حيث قال عزّ وجلّ: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184)، ومن المعلوم أنّ الإطاقة أدنى درجات المكنة والقدرة على الشيء إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف.
والمراد بـ"الذين يطيقونه" الشيوخ الضعاف والمرضى الذين لا يُرجى بُرْءُ أمراضهم ومَن في حُكمهم، فهؤلاء لا صيام عليهم وإنما تجب عليهم الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أوسط ما يطعمون منه أهليهم.
وخلاصة القول: إنّ في فريضة الصيام في شهر رمضان فضائل وحكماً وخصائص لا توجد في غيره، مما يعني تأكيد اغتنام هذه الفضائل بنية صادقة وإخلاص لله سبحانه، رجاء الثواب الجزيل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق