◄يقول الإمام عليّ (ع): "الفرصةُ تمرُّ مرَّ السحاب، فانتهزوا فرص الخير".
روى بعضهم قصّته في الجامعة، وكيف أنّه أصبح أُستاذاً، فقال: لقد جاءتني الفرصة فتقبلتها، إذ كنت يوماً أتحدّث عن موضوع المقارنة بين الأدب العربي والآداب الأخرى. وفي واقع الأمر لم أكن أفهم، بمستوى أُستاذ في الجامعة، وصادف أن فتحت الجامعة في بلادي، فأرسلوا لي رسالة رسمية، وطلبوا مني التدريس فيها في موضوع الأدب المقارن..
يقول: فأخذت الرسالة، وتساءلت في نفسي، وقلت: يا ترى ماذا أعرف أنا عن الأدب المقارن حتى أكون أُستاذاً في الجامعة؟
وتردّدت في قبول الأمر، ووقعت في دَوامة الحيرة والتهيّب، هل أقبل أم أرفض؟ وأخيراً انتهى بي المطاف إلى القبول، وقلت في نفسي: سأقدم، وإذا ما فشلت، فسوف أكون قد أقدمت على تجربة فشل.
وبالفعل أخذت بمطالعة الكُتُب ـ في هذا المجال ـ بشكل جدي، فهيأت دروساً، ومن ثمّ ألقيتها في الجامعة، وبذلك أصبحت أُستاذاً في الأدب المقارن، بعد أن اغتنمت الفرصة في ذلك.
هي الوقت المناسب الذي يمكّن أو تيتح القيام بعمل ما، وتطلق الفرصة على العمل أو المشروع الممكن للإنسان. واغتنام الفرصة انتهازها وعدم تضييعها وجعلها تفوت بلا فائدة..
ومثال ذلك: أن تُتاح لك فرصة حضور دورة تعليمية في جانب ما، فاغتنامك لهذه الفرصة هو أن تحضرها وتحصد ثمرتها. أو أن تكون مسافراً على حافلة، ويحدث أن تتوقف الحافلة وقت الظهر لمدّة خمس وأربعين دقيقة مثلاً، فاغتنامك للفرصة يعني أن تنتهز هذه المدّة الزمنية المتاحة، فتصلي إلى ربّك، وتتناول وجبة غذائك. أمّا إذا لم تنتهزها، وتركتها تضيع عليك، فإنّ الصلاة والغداء سيفوتانك، وستركب الحافلة، ولن تتمكن من أداء الصلاة، وقد يتأخر غداؤك إلى وقت وجبة العشاء حين تتوقف الحافلة له.
نوعا الفرص:
والفرص بالنظر إلى الخير والشرّ على نوعين:
1 ـ فرص الخير.
2 ـ فرص الشرّ.
وفرص الخير ذات وجهين: وجه دنيوي، وآخر أخروي، وهذه الفرص بوجهيها هي المأمور باغتنامها وانتهازها.
فالمعيار في انتهاز الفرص واغتنامها كونها خيّرة، ويصدق عليها تعبير (العمل الصالح)، أمّا فرص الشرّ فلا يجوز انتهازها واغتنامها بحال.. يقول الإمام عليّ (ع): "انتهزوا فرص الخير...".
وعن فرص الخير واغتنامها نقل لي أحد الأصدقاء قصّته فقال: هاجرت في سبيل الله، وشاءت الأقدار أن أُقيم في بلد تُتاح فيه كثير من الفرص الدراسية وفرص نيل الخبرات، فقمت ذات يوم بزيارة استكشاف لمجموعة من المعاهد والمراكز، وقرّرت مع نفسي أن أحصل على مجموعة مراتب أو درجات من تلك المعاهد والمراكز، طالما لديَّ مُتسع من الوقت، فالتحقت بمعهد للغة الإنجليزية، وبعد أن أنهيت الدورة فيه، التحقت بمركز للإلكترونيات، ثمّ التحقت بمركز تعليم الكتابة على الآلة الطابعة، وبعدها التحقت بمركز تعلَّمت فيه إصلاح أجهزة الراديو والتسجيل، ثمّ التحقت بمركز لتدريس البرمجة الكومبيوترية، وحصلت على درجة منه في البرمجة، ثمّ التحقت بإحدى الجامعات لدراسة الحقوق، وها أنذا الآن لديَّ مجموعة من الشهادات والخبرات، في اللغة الإنجليزية، والإلكترونيات، وإصلاح أجهزة الراديو والتجسيل، والبرمجة الكمبيوترية. وكلّ دورة لم تأخذ مني وقتاً من الزمن سوى ثلاثة أشهر كحد أعلى، هذا إضافة إلى اهتمامي بدراسة الفقه الإسلامي وأصوله. ولو أنّني جلست مكتوف اليدين، ولم أنتهز الفرص لما استطعت أن أحقق شيئاً ممّا حققته.
ويذكر (ديلي كارنيجي) قصّة حول انتهاز الفرص النادرة فيقول: "عندما كان أندرو كارنيجي موظفاً ـ في مستهل حياته ـ في إحدى شركات السكك الحديدية، تعطّلت ذات يوم إحدى القاطرات، وتصادف أن تأخر الرئيس المختص في ذلك اليوم عن الحضور في الموعد المحدَّد، فماذا يفعل كارنيجي؟.
لم تكن له سلطة إصدار الأوامر لإصلاح القاطرة، وتفادي تعطيلها وتأخير ما يتلوها من قاطرات. ولو أنّ شاباً عادياً كان في موضعه، لما فعل شيئاً، وقال في نفسه: ليس من اختصاصي، فلماذا أدخّل نفسي فيما لا يعنيني، بما قد يُسبِّب طردي من العمل، وقد يؤدي إلى أن يزجّ بيَّ في غياهب السجن؟
ولكن كارنيجي لم يقل ذلك، بل أصدر على الفور أمراً لمهندس الشركة، وقَّعه بتوقيع الرئيس المختص، وبعد وقت قصير سار كلّ شيء في طريقه العادي، وعندما علم مدير الشركة بالأمر، أعجب بكارنيجي، وأسند إليه وظيفة كبيرة، كانت فاتحة لما صادفه بعد ذلك من توفيق و...
لقد أدرك كارنيجي أن الأمر يتطلب العمل السريع الحازم؛ ولكنّه فعل ذلك بعد أن استوثق أنّ ما يعمله لصالح الشركة. ومثل هذه الفرص قد لا تسنح كثيراً، فإذا سنحت فلا تتردّد في اغتنامها، ولا تتهرب من مواجهة الموقف وتحمّل المسؤولية".►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق